عن التعجل في الحكم على الآخرين يقولون أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وشمولية النظر فيه وتأمل كل متعلقاته حتى يصدر الحكم مناسباً، يحمل في طياته الحكمة والقوة التي لا تنفذ معها الانتقادات والخلل. ونحن في هذه الأيام نعيش فترة الاستعجال في إصدار الأحكام على الآخرين دون تروٍ وتأمل للظروف والملابسات المتعلقة بكل فرد. ونرى من حكمة السلف ما أكدت ضرورة الالتزام بالصبر وجولان النظر في حال الفرد، وذلك عندما قدم رجل إلى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وهو بين طلابه، فقال له : يا ابن عباس لقد قتلتُ رجلاً فهل لي من توبة ؟!، فرد عليه بالإيجاب، فانصرف السائل، وما هي إلا لحظات حتى قدم سائل آخر ويسأله نفس السؤال، فأجابه ابن عباس بالنفي. عندها وقع طلابه في حيرة من أمرهم، ففي لحظات نفس السؤال يُطرح والإجابة تختلف، فشعر ابن عباس بحيرة طلابه، فقال لهم : (إن الأول قد قتل رجلاً وقدم صادقاً طالباً التوبة، وأما الآخر فقد قدم يتطاير الشرر من عينيه يريد الفتك بصاحبه). وبنظرة ثاقبة يثبت لنا هذا الصحابي الجليل أن الأحكام تختلف من شخص لآخر حسب حالاته وأحواله، والتأني في إصداره حتى يمكن دراسة حال صاحبه ومقصده، والتعاملات الجارية بين الناس وأنهم يحكمون على بعضهم البعض بمواقف معينة قد تكون عارضة، ولا يمكن أن تكون مقياساً للحكم عليه من هذه الوجهة، ولهذا نرى هنا من الحكم الأولين (الغائب حجته معه)، وحتى لا يصدر بحقه حكماً قاسياً مغايراً لحقيقة الرجل. وكم من الأشخاص وقعوا ضحية الاستعجال، فصدرت بحقهم أحكام وتصورات، باتت كالمقصلة أدت إلى زرع حاجز كبير بينه وبين المجتمع، وذلك على الرغم من أن شخصيته تخالف تلك التصورات عنه، وتبعث في نفسه اليأس من التواصل مع المجتمع، ويحمل في وتيرة نفسه معاني الظلم والبؤس، ولكم هذا الموقف عن رجل سمعتُ عنه كل سمات السوء والبذاءة، ويقدر الله أن أشاهده في رحلة بحرية مع نفر من الأشخاص، فإذا شخصه مغاير لكل ما يحكى عنه، وبسبب سكوته واعتزاله الناس أسهمت تلك الافتراءات في فرض المصداقية على ما يحكى، وقد تحكم هذه الافتراضات عوامل منها الحسد والحقد وتفشي النميمة وفرض الظلم والغيبة والبهتان والحديث فيما لا ينفع، فهي بعض عوامل أعانت في فرض النظريات على الأشخاص دون معرفة سابقة عنهم. ولا نطلب إلا فكراً متأنياً وعقلاً راجحاًً ونظراً ثاقباً يدرك أن لا أحقية له في تصورات وهمية عن أشخاص، قد تغاير سمات يتميزون وينفردون بها عن الغير، وحتى عندما تمس الحاجة إلى السؤال عن الأشخاص فسأل أهل العدالة والأمانة والذين يرشدونك إلى حقيقة الأشخاص وخلق الأعذار لهم عند وجود المناقص، واسمحوا لي أن أتمم حديثي بهذا الموقف، عندما وقف شخصان يتسامران في الحديث، وأقبل إليهما شخص ثالث يسألهما عن فلان الشاب فهو خاطب ابنته، فاندفع الأول يكيل أقسى العبارات عن ذلك الشاب، في حين أن الآخر تكلم عنه بصورة مغايرة تماماً، والمضحك أن الأول قد تبين أنه يدرس في الخارج ولتوه قدم إلى البلاد، في حين أن الآخر يعيش مع الشاب في هذا الحي ومنذ سنين !!، والمضحك أن الشاب اقترن بالفتاة، وهما بسعادة زاهرة لحسن خلقه ودماثة طباعه، وأدع التعليق لكم.
|