* القاهرة - مكتب الجزيرة
محمد العجمي - صابر حمد:
أكد خبراء الاقتصاد على ضرورة التكامل الاقتصادي لمواجهة الجات وآثارها على الدول العربية فقد فرضت الجات تكتلات كبيرة قادرة على المنافسة لقدرتها على توفير مميزات الحجم واتساع الأسواق وقلة التكلفة وإدخال آليات تنافسية ناتجة وأشاروا إلى إنشاء قاعدة البيانات والمعلومات بحيث تتضمن المواصفات القياسية ومعايير الجودة ونظم الجمارك والتعريفة الجمركية في الدول العربية , والضرائب التي تفرض فيها , والاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الدول العربية وكذلك الاتفاقيات التي وقعتها الدول مع التكتلات الإقليمية، فهذه البيانات ضرورية للتعرف على حجم المشاكل ووضع النظم الكفيلة بحلها خاصة أن هناك تبايناً شديداً في النظم الضرائبية والجمركية بين الدول العربية موضحين أن صناعة الغاز من أهم المجالات التي يمكن أن تسهم في تحقيق التكامل بين الدول العربية خاصة بين السعودية وقطر والإمارات والجزائر ومصر وهي دول تنتج الغاز الطبيعي وطالب الخبراء بوجود آليات انتقائية خاصة بمشروعات الاستثمار وأخرى لتعويض بعض الدول عن الأضرار الاقتصادية التي تصيبها نتيجة تحقيق التكامل الاقتصادي العربي من بعض قطاعاتها أو سلعها بالإضافة إلى أن الدول العربية في حاجة إلى تفعيل التكامل الاقتصادي العربي والاستفادة من تجربة الدول الأوروبية.
وكشفوا عن أن صناعة الأدوية في الدول العربية ستواجه أزمة نتيجة تطبيق اتفاقية الملكية الفكرية وستصبح تراخيص تصنيع الأدوية شديدة الارتفاع مما يتطلب وضع استراتيجية لصناعة الأدوية في المنطقة العربية تشمل مؤسسات البحث العلمي ومصانع الأدوية والمدخلات البشرية، علما بأن حجم الاستهلاك السنوي للأدوية في المنطقة العربية يصل إلى 6.5 مليارات دولار.
تقول الدكتورة مني البردعي رئيس قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة: إن الجات لها تأثير كبير على الدول العربية وعلى التكامل الإقليمي، فقد فرضت الجات تكتلات كبيرة قادرة على المنافسة لقدرتها على توفير مميزات الحجم واتساع الأسواق وقلة التكلفة وإدخال آليات تنافسية ناتجة عن التجربة والممارسات والإبداع وقد شاهدنا ما حدث في المؤتمر الوزاري الخامس للمنظمة العالمية للتجارة في كانكون بالمكسيك في سبتمبر 2003م، والذي فشل نتيجة عدم توافر الإرادة السياسية لدى الدول المتقدمة لمراعاة مستلزمات التنمية ضمن برنامج عمل الدوحة للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف، الأمر الذي أثر في مصداقية النظام التجاري الدولي الذي انبثق عن جولة أورجواي وتشرف على إدراته المنظمة العالمية للتجارة منذ عام 1995م وسبقها فشل المؤتمر الثالث الذي عقد في مدينة سياتل بالولايات المتحدة الأمريكية وتضيف أن الدول العربية في حاجة إلى تفعيل التكامل الاقتصادي العربي والاستفادة من تجربة الدول الأوروبية فمن الدروس المستفادة تعاملها مع الاختلالات الهيكلية التي تحدث فجوة كبيرة بين النظرة القطرية والنظرة الإقليمية التي تتزايد أهميتها مع تقدم مسيرة التكامل.
فلم يكتف أن تتفق الدول المعنية على هدف بناء وحدة أوروبية بدءاً بوحدة اقتصادية، بل كان لا بد من إعادة ترتيب البيوت الداخلية التي خربتها الحرب التي اتسمت بصعوبات اقتصادية بالغة انعكست على موازين مدفوعاتها.
ولعله لم يكن للتكامل الأوروبي أن يظهر لولا قيام تنظيمين مهدا الطريق له خلال السنوات القلائل التالية للحرب العالمية.
الأول: هو منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي التي ساهمت في إعادة بناء الاقتصاديات الأوروبية عقب الحرب العالمية الثانية، وتنظيم الاستفادة من مشروع مارشال.
والثاني: اتحاد المدفوعات الأوروبي الذي ساهم في استعادة العملات الأوروبية قابليتها للتحويل، وانتهاء العمل بالقيود على النقد التي كانت من أشد العقبات أمام المبادلات البينية، وخاصة بعد أن نجحت منظمة التعاون في استعادة الاقتصاديات القطرية عافيتها.
من جهة أخرى تقوم الجماعة الأوروبية بوضع ترتيبات خاصة للدول التي تنضم إليه بعد قيامها لتأهيلها للعضوية وتشمل هذه الترتيبات برامج للنهوض باقتصاديات الدول الأقل تقدماً من مستوى دول الجماعة، ولإعادة بناء نظمها الاقتصادية كما هو الحال بالنسبة لدول شرق أوروبا حالياً.
ويقضي هذا بأن تكون الدول النواة للتنظيم التكاملي من القوة بحيث تستطيع تحمل أعباء تلك الترتيبات. لهذا يجب أن يسبق عملية التكامل وفق المنهاج الذي وضع الأوروبيون أساسه، والذي تسير على معظم التجارب الإقليمية، بما فيها العربية، مرحلة تنمية تكاملية توفر أساساً داخلياً صلباً للتكامل الذي ينصب على العلاقات البينية. ولعل في تضمين قرار رقم 1150 لمجلس الوحدة في منتصف 2001م استراتيجيته تحقيق تنمية عربية مشتركة مما يساعد على تحقيق هذه المهمة. ولا يجب التوقف فيها عند مشروعات بتمويل مشترك تسمى خطأ مشاريع مشتركة، إذ المهم هو تحقيق مستوى أعلى من التشابك الاقتصادي يبرر الخطوات التي تتخذ لتحرير مختلف أنواع التدفقات الاقتصادية.
ومن المهم أن يصحب ذلك تعزيز قدرات صندوق النقد العربي حتى يساهم في الدافع الأساسي لإنشائه وهو تصحيح الخلل في موازين المدفوعات، من أجل مساندة جهود التنمية المشتركة وإزالة ما يعترضها من عقبات.
ومن الدروس المستفادة أيضا معالجة تعدد الأجهزة والتضارب الذي ينشأ بين عمليتي التعاون الإقليمي البسيط والتكامل الذي يفضي إلى وحدة اقتصادية. فقد شهدت بدايات المسعى التكاملي الأوروبي تعدداً في المنظمات، سواء بقيام منظمات تعاونية إلى جانب المنظمات التكاملية، أم تعدد الترتيبات التكاملية ذاتها.
وقد أدى إنجاز منظمات التعاون من أجل التنمية التكاملية لمهامها إلى إنهائها بقيام السوق الأوروبية المشتركة. وتحولت منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي إلى منظمة أوسع نطاقاً هي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تعتبر حالياً من أهم منظمات الدول المتقدمة متجاوزة حدود القارة الأوروبية، مركزة على البحوث والدراسات حتى لا تتضارب مع السوق رغم محدودية عضوية السوق بالقياس بها، بل إن تلك الفترة شهدت محاولات لإقامة منظمات أوروبية متعددة، لعل أهمها (مجلس أوروبا) الذي تجاوزت عضويته الأربعين دولة تشمل جميع دول القارة عدا اثنتين.
ولم تتذرع الدول الأوروبية بأن التعاون أيسر شأناً من التكامل لأنه يترك القرارات بيد الدول، وإنه بالتالي أقدر على اجتذاب عدد أكبر من الأعضاء، وأن المنظمة الأكبر خير من الأصغر، على غرار ما ينادي به العرب من تفضيل مجلس التعاون الاقتصادي على مجلس الوحدة.
ومن جهة أخرى تزعمت بريطانيا منهجاً بديلاً أكثر تواضعاً للتكامل يقف عند حد منطقة تجارة حرة للمنتجات الصناعية، وأيدتها بعض الدول في ذلك. غير أنه سرعان ما اتضحت جدوى منهج السوق المشتركة، فعادت بريطانيا وشركاؤها تطرق باب الجماعة، وحالياً اقتصرت رابطة التجارة الحرة على أربع دول لها أسبابها الخاصة لإبقائها، وان أقامت مع الاتحاد الأوروبي علاقات وثيقة.
ورغم بقاء الدول الثلاث الصغيرة نسبياً، بلجيكا وهولندا ولكسمبورغ، في تجمعها الخاص المعروف باسم البنيلوكس، فإنها كانت ولا تزال أهم دعاة إقامة تكامل على المستوى الأوروبي، لشعورها بأهمية علاقاتها الاقتصادية مع باقي الدول الأوروبية.
وهكذا فإن الدرس الثاني أنه لا يجب أن يتخذ من سهولة العمل التعاوني وخضوعه للإرادات القطرية ذريعة لتفضيله على التكامل المفضي إلى وحدة اقتصادية. كما أنه لا يجب أن تتخذ الترتيبات للإرادات القطرية ذريعة لتفضيله على التكامل المفضي إلى وحدة اقتصادية. كما أنه لا يجب أن تتخذ الترتيبات الإقليمية الجزئية بديلاً للتكامل على المستوى القومي.
ومن باب أولى يجب تضمين محصلة الاتفاقيات الثنائية في اتفاقية قومية شاملة، حتى لا تظل باباً تنفذ منه الدول إلى التنصل من تكامل شامل وجاد. ويعني هذا أن تصبح اتفاقية الوحدة الاقتصادية هي الأصل، وان تعاد صياغة الترتيبات الأخرى، بما فيها المجلس الاقتصادي.
آلية للتعويض
أكدت الدكتورة فادية عبد السلام مديرة مركز العلاقات الاقتصادية الدولية بمعهد التخطيط القومي ضرورة وجود آليات انتقائية خاصة بمشروعات الاستثمار وأخرى لتعويض بعض الدول عن الأضرار الاقتصادية التي تصيبها نتيجة تحقيق التكامل الاقتصادي العربي من بعض قطاعاتها أو سلعها وأن يتم إنشاء قاعدة البيانات والمعلومات بحيث تتضمن المواصفات القياسية ومعايير الجودة ونظم الجمارك والتعريفة الجمركية في الدول العربية , والضرائب التي تفرض فيها , والاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الدول العربية وكذلك الاتفاقيات التي وقعتها الدول مع التكتلات الإقليمية، فهذه البيانات ضرورية للتعرف على حجم المشاكل ووضع النظم الكفيلة بحلها خاصة أن هناك تبايناً شديداً في النظم الضرائبية والجمركية بين الدول العربية حيث يبلغ متوسط التكلفة لهيكل الضرائب والجمارك في كثير من الدول العربية , إلى 5% بينما يصل في بعض البلدان مثل مصر إلى 45%.
أما فيما يتعلق بآلية تسوية المدفوعات , فلا بد من إيجاد عملة يتم على أساسها تسوية المديونيات أو إنشاء غرفة مقاصة بين الدول العربية لتسوية مديونيات الدول العربية ويتم اختيار عملة لتسوية هذه المديونيات بالإضافة إلى العمل على اختيار المشروعات التي يتم إنشاؤها وفي هذا المجال وضعت الجامعة العربية خريطة لمشروعات الاستثمار التي يمكن إنشاؤها بالدول العربية وتتضمن خمسة آلاف مشروع .
وطالبت بمشاركة القطاع الخاص والأفراد في تلك المشروعات على أن تسهم الحكومات في تمويل بعض المشروعات في البداية وأن تطرح بعض المشروعات للاكتتاب لبث الثقة في تلك المشروعات . وإنشاء آلية لتعويض بعض الصناعات الوطنية التي قد يصيبها الضرر من جراء إنشاء المشروعات التكاملية .
جذب الأموال
ويؤكد الدكتور سمير مصطفى مدير مركز دراسات وأبحاث البيئة بمعهد التخطيط القومي على أهمية إيجاد صيغة لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي . وهناك مجموعة من الاتجاهات لتحقيق ذلك أولها عودة الأموال العربية من الخارج , فقد خرجت هذه الأموال من المنطقة العربية تحت دعوي أن الطاقة الاستيعابية للاقتصاديات العربية محدودة , مؤكدا أنه آن الأوان لعودة هذه الأموال إلى الوطن العربي لان المنطقة تحتاج بالفعل إلى استثمارات ضخمة وفي نفس الوقت فإن هذه الأموال تواجه قيوداً في الحركة والسحب وتستخدم كوسيلة للضغط على الحكومات العربية عند حدوث أزمة في المنطقة .
ويقترح الدكتور سمير مصطفى أن يتم جذب هذه الأموال وضخها في استثمارات تحتاجها المنطقة في الفترة القادمة وتجد سوقاً متسعاً لتسويق إنتاجها مثل صناعات الأدوية والغاز الطبيعي والسيارات . ويشير إلى أن صناعة الأدوية في الدول العربية ستواجه أزمة نتيجة تطبيق اتفاقية الملكية الفكرية وستصبح تراخيص تصنيع الأدوية شديدة الارتفاع لذلك لا بد من وضع استراتيجية لصناعة الأدوية في المنطقة العربية تشمل مؤسسات البحث العلمي ومصانع الأدوية والمدخلات البشرية علما بأن حجم الاستهلاك السنوي للأدوية في المنطقة العربية يصل إلى 6.5 مليارات دولار تمثل حجم مبيعات شركات الأدوية للمنطقة العربية.
وأكد أن صناعة الغاز من أهم المجالات التي يمكن أن تسهم في تحقيق التكامل بين الدول العربية خاصة بين السعودية وقطر والإمارات والجزائر ومصر وهي دول تنتج الغاز الطبيعي وأن هذه الصناعة من الصناعات التي يمكن أن تحقق تعاقداتها عوائد مرتفعة للمنطقة العربية لذلك يسهل جذب الاستثمارات العربي في الخارج إليها.
كما تعتبر السوق العربية من الأسواق المهمة في استهلاك السيارات على مستوى العالم , ومن شأن هذه الصناعة أن تحقق عوائد ضخمة إذا تم إنشاؤها باستثمارات مشتركة لتغطية احتياجات المنطقة العربية . بالإضافة إلى وجود عدد من الآليات الأخرى مثل إنشاء شبكات خطوط سكك حديد , تساعد على انتقال السلع والأفراد بين الدول العربية وتعميق الشعور بالتكامل . ومؤكدا أن الاستثمارات داخل البلدان العربية تحقق عوائد في كثير من الحالات وتسهم في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية ودعم اقتصاديات الدول العربية وإنشاء مشروعات عربية كبيرة في مجالات الإنتاج السلعي والخدمات.
وترى الدكتورة هبة نصار مدير مركز البحوث الاقتصادية بجامعة القاهرة أن الدول العربية يمكن أن تواجه التحديات العالمية والجات من خلال نقل الخبرات بين الدول العربية وتفعيل الاتفاقيات العربية بجميع أشكالها لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي ومواجهة المنافسة العالمية ويمكن للصناعة العربية مواجهة المنافسة نتيجة لفتح الجمارك من خلال التوسع في الهيكل الإنتاجي والتنوع وزيادة القدرة التكنولوجية.
|