إن مرحلة الطفولة مرحلة مهمة في حياة الفرد فهي مرحلة التكوين النفسي والاجتماعي والبدني وهي مرحلة التنشئة الاجتماعية يتحدد خلالها نمط الشخصية التي تميز فردا عن فرد وبماذا يكون عليه في مستقبله كعضو في جماعة وكمواطن، رجل أو امرأة في زمرة المواطنين الصالحين - إن شاء الله- فطفل اليوم هو رجل الغد الذي سيتحمل عبء الذود عن وطنه وسيعول أسرته التي هي لبنة في صرح الوطن.
ومن هنا تبرز أهمية العناية بأمر الطفل ولا سيما في سنوات عمره الأولى؛ فنسدّ له حاجاته الجسدية والنفسية، ونحوطه بكل عناية ممكنة ونمده بالعطف والحنان والوعي بحاجاته النفسية من خلال رعايته الرعاية المتكاملة.
ومن أهم المشكلات في حياة الطفل توجهه إلى التخريب والتدمير لكل ما تناله يداه وسبيله إلى ذلك أن الله قد أمدنا بغريزة حب الاستطلاع والميل إلى الحل والتركيب باعتبارها وسيلة تعلم واندماج في دينامية الحياة وتعرف المحيط ومكوناته ومتطلباته.
يطالب الطفل حينئذ بإتاحة الفرصة له أن يكتشف وأيضا يتساءل عن كنه هذه المكونات، ووسط التجريب والاكتشاف تبرز عملية التقليد للكبار فيما يعملون إزاء هذه المكونات في المحيط مما يجعله يأمن ويطمئن على معيشته في هذا المحيط.
والجدير بالإشارة إليه أنه يتعامل مع الاشياء المادية المحسوسة في هذا المحيط ويتيح له هذا التعامل تعرف الأشياء وتناولها للفحص - وإن كان محدوداً - وتفكيكها - إن أمكن له ذلك- أو التخلص منها بإلقائها على الأرض، ثم محاولة جذبها وتقسيمها إلى أجزاء والتأمل فيها لعله يتعرف عليها من جديد ويستمر في إجراء التجارب، شأنه في ذلك شأن العالم في مختبره الذي يقوم بإجراء تجارب مختلفة والفارق إزاء ذلك بينه وبين العالم هو في اختصار الخطوات وبلوغ النتائج والمضي في تحليلها واستخراج الخلاصة وإمكانات تطبيقها.
والطفل - إذا ما أتيحت له الفرصة من خلال الفعل وتحفيزه - قد يضرّ بنفسه وقد يدمّر ما تطوله يده ويتلفه ويخربه.
هكذا نفسره نحن الكبار أما الطفل في نظره المحدود فلا يقصد التدمير والإتلاف أو التخريب أثناء تعامله مع الاشياء المادية المحسوسة في محيطه لكنه طريق يسلكه الطفل بغية تعرفه على مكونات المحيط ومن خلالها يتعرف على الحياة.
وعن طريق تدميره الأشياء وإتلافها، ولا مانع من تخريبها؛ وبناء عليه يتعرف على: الأوزان من خلال الثقل والحرارة والبرودة من خلال تحمله، والمسافات من خلال إدراكها، والألوان من خلال إبهارها، وطعم الأشياء والمأكولات من خلال تذوقها، وشكل المحسوسات ومحتوياتها ومكوناتها.
وكما ذكرنا آنفاً لا فارق في التجريب بينه وبين العالم في ملاحظة الأشياء من حوله وتعرف مدى ملاءمتها للتحليل مع الوضع في الاعتبار مخروط الخبرة ومطالب النمو.
ويترتب على آلية البناء والهدم استشعار اللذة وبلوغ السعادة كمعقب للاكتشاف، شأنه في ذلك شأن العالم تماماً.
إذن - عزيزي القارئ - إن كنا نقف قِبل تدمير وتخريب الطفل بأنه وسيلة للنماء العقلي، وطريق للمعرفة وتهيؤ لتعرف عالمه فهو يعتبر (لعباً)، ولكن يأتي نتاج هذا اللعب الوعي بالمحسوس وهو ضروري لبناء شخصية الطفل ونموه المتكامل ومنها ينطلق نحو الاجتماعية وكسب خبرة التعامل مع المحسوس الذي يعظم المكتسبات الخبروية واستدخالها في نفس الطفل، وعلى الأهل أن يتفهموا الطفل وحاجاته ومطالب نموه، وأن يدركوا أن ما يقوم به الطفل من تدمير وتخريب وإتلاف ليس حباً للعبث ولكنه حب للاستطلاع.
كما أن على الأهل الا يعاقبوا الاطفال لعبثهم أو تدميرهم الأشياء أو اتلافهم أدوات المنزل فهو نشاط يربطه بالعالم الذي يحوط به - عالم المحسوسات - وعلى الأهل مساعدة الطفل كي يتفرس أو يكتشف أو يعرف الموجودات حوله.
من هذا المنطلق يجب ان نوفر له اللعب التي تتفق مع سنه وأن نمكنه من القيام بحلها وتركيبها، ومن خلال هذه العملية يمكنه التطور النفسي والعقلي ولا نلومه إن أتلف شيئا، وعلينا أن نوقن بأن الطفل قد منحه الله طاقة عظيمة تدفعه لممارسة النشاط والتحرك هنا وهناك في المساحة المعلومة، ويتعامل مع كل الأشياء والمحسوسات القائمة في محيطه؛ فمنها يفهم الحياة الفاعلة، ويفهم الآخر المنفصل عنه.
ولذا يجب أن نسمح للطفل بالتعامل مع الأشياء تحت نظرنا وإشرافنا وفيما لا يضر نفسه وأن نرشده للتعرف على الأشياء فهي منطلق تعليم الطفل وتثقيفه.
أما إذا استمر الطفل في الإتلاف مع سن متقدمة (6 سنوات) فهنا يطلق عليه مدمرا ومخربا. وتفسير هذا السلوك الذي يصاحب الطفل فيما بعد السادسة فإما أن يكون معتلاً جسمياً مثل اضطراب الغدة الدرقية مما يزيد حركته وعدم الاستقرار في مكان ما مما يجعله يعبث بكل شيء تطوله يداه، هذا النشاط الزائد يجب ان يستنفد.
وقد يكون النشاط الزائد نتيجه للاضطراب النفسي مثل شعوره بالنقص أو إحساسه بأنه مظلوم فيكون تخريبه في هذه الحالة بمثابة الانتقام ممن حوله فيلجأ إلى تدمير كل ما يقع تحت يديه وحينئذ يشعر بالغبطة لأنه انتقم من ظالميه.
وقد يكون النشاط الزائد وسيلة لإثبات وجوده وإمكانية الاستحواذ على كل ما حوله وقد يكون هذا السلوك في الغالب نتيجة إحساسه بالنقص كما أنه يرجع للتدليل الزائد.
وفي الختام نقول إن سلوك التدمير لدى الطفل يمكن علاجه فالأسباب الجسمية يشخصها الطبيب ويقوم بعلاجها وتحويل النشاط الزائد إلى نشاط بناء. أما الحالات النفسية فيجب التعرف عليها ورسم خطة العلاج المناسبة مع ظروف كل حالة على حدة، ونلح في القول بعدم لجوء الأهل إلى عقاب أطفالهم حتى لا نقتل فيهم روح التعرف على الاشياء التي تعبر عن مكونات الحياة، ونقضي على التعبير عن ملكات الابداع الذي يبرز في عمليات التركيب للأشياء التي تم تفكيكها، كما أن العقاب يوقعهم في دائرة الخوف الذي يلازمه في مسيرة الحياة وينعكس على كثير من المواقف الحياتية؛ فالعقاب يشعر بوطأة الكبار وظلمهم له، وحينئذ يلجأ الطفل إلى الألعاب العنيفة مع نفسه أو مع الآخرين.
|