الأمّة الإسلامية تنزف جراحُها، وتُستنزَف خيراتُها، وتُهانُ كرامتُها، وتُهدَرُ دماؤها، ويُشوَّه دينُها، ويُمزَّق شَمْلُها، ويُشْتَمُ رسولُها - عليه الصلاة والسلام - من الذي يستطيع أن يقول: هذا كلامٌ غير صحيح؟
ومن الذي يقدر على إِثباتِ غير هذا في واقع أمّتنا المعاصر؟ كلُّنا متفقون على ذلك، فالحقائق تسطع، والواقع يشهد.
ما بال معظم أبناء هذه الأمّة وبناتها يرقصون على جراحها رَقْص المجانين؟ وما بال شاشات قنواتها، وصفحات جرائدها ومجلاَّتها تعرض ليلاً ونهاراً هذا الغثاءَ من الأفكار والفنون والسُّلوك المنحرف عن سواء السبيل؟
هل هو اليأس الذي يجعل هؤلاء الراقصين على الجراح يغوصون في أوحال الرذيلة المعلنة على الأشهاد غَوْصاًَ رديئاً يدلُّ على موت الضمير، وانحراف التفكير، والغفلة التّامة عن سوء المصير؟
هل هو احتجاج (منحرفٌ) على الحالة التي أصبحت مظلمة مؤلمةً في عصر (الاحتلال العسكري) الجديد الذي أجلب بدباباته وطائراته وصواريخه وانحرافه الفكري والثقافي والسلوكي عن جادَّة الطريق؟
وهل يليق بأمّةٍ مستهدَفَة، مهزومة أن تنساق وراء شهواتها وأهوائها ورقصها وغنائها، واختلاطها ومجونها بهذه الصورة القبيحة التي تبرز أمام عيون الجميع عبر كثير من وسائل إعلامها المرئي المسكون بالانحراف عن الفطرة البشرية السويّة؟
هل يعبِّر هذا الرَّقص الرخيص على جراح الأمّة عن رَفْضٍ مغلَّف لأساليب القمع، والظلم، والاستبداد، والتَّبعيَّة المؤسفة لأعداء الإسلام، والإنسانية والحقِّ من متعصِّبي اليهود والنَّصارى الذين يقودون مدنيَّة هذا العصر إلى هاوية سحيقة ما لها من قرار؟.
أليس هذا الأمر مثيراً للعجب، باعثاً للأسى، داعياً إلى تفكير عميق ودراسة دقيقةٍ لهذه الحالة الشاذَّة التي تعيشها الأمَّة؟
إلى أين تسير قافلة أمَّةِ الإسلام في هذا العصر؟
دعونا الآن - ندرس حالة الانحراف البارزة - بعيداً عن عبارات المجاملة وتهوين الحالة السيئة، وترقيق ضخامة المأساة التي تعيشها الأمّة، فنحن - ولله الحمد - نملك من التفاؤل والأمل ما لا يملكه غيرنا، لأننا نملك من القيم الخالدة، والعقيدة الصحيحة ما يجعل تفاؤلنا حيَّاً، وأملنا مشرقاً.
دعونا من التغنِّي بإشراق الأمل حتى لا يكون ذلك مخدِّراً لنا يصرفنا عن الإدراك الصحيح لسوء حالة أمّتنا في هذه المرحلة.
لماذا نرى هذا الرَّقْص المشين على جراح الأمَّة؟
إنّ معظم فضائيات عالمنا العربي والإسلامي يعبِّر عن انتكاسة خلقية مخيفة، وعن نشأة أجيالٍ تائهة من الرجال والنساء تقوم حياتها على الرقص والغناء، والسَّهر على أنغام الحفلات الفنيَّة الساقطة في وقتٍ تُهدَّم فيه البيوت في فلسطين والعراق، وكشمير وأفغانستان، وتُنْتَهك فيه الأعراض، وتُهدَرُ فيه حقوق المسلمين، - جهاراً نهاراً - وتُشرَّد فيه الملايين وتُطرَد فيه شعوب كاملة من ديارها كما هو الحال في الشيشان.
من الذي يحرِّك مركبة هذا الانحراف في مسيرة أمّتنا في هذه المرحلة؟
ومن الذي يقف وراء هذه الحناجر التي تغنِّي بأرخص الكلمات، وهذه الأنامل التي تعزف أرخص الألحان، وهذه الأجساد النحيلة والمترهِّلة التي تعرض من الرَّقص الماجن الهابط ما لا يحدث إلاّ عند أمّةٍ غافلةٍ غارقة في سبات لهوها العميق؟
لا شك عندنا في وجود أصابع خفيَّة وغير خفيَّة لأعداء الإسلام الذين يدركون تماماً أنّ تخدير الأمّة بهذه الوسائل هو الأسلوب الأنجع لإضعافها حتى يتسنى لهم الاستمرار في إذلالها واستنزافها، فمتى يصحو الراقصون على الجراح؟
إشارة:
وإذا أهدرت كريمة أصلٍ
أصلَها لم يعد بلطم الخدودِ |
|