Saturday 28th August,200411657العددالسبت 12 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

دينس روس يكشف أسرار معركة السلام في الشرق الأوسط دينس روس يكشف أسرار معركة السلام في الشرق الأوسط
إستراتيجية الإسرائيليين أفسدت مفاوضات كامب ديفيد!

  الكتاب: THE MISSING PEACE
The Inside Story of the Fight for
Middle East Peace
المؤلف:Dennis Ross
الناشر :Farrar, Straus and Giroux; 2004
على الرغم من أن عملية السلام في الشرق الأوسط كانت ومازالت واحدة من أهم بؤر اهتمام وسائل الإعلام العالمية فإن المعروف عما يدور داخل هذه العملية يظل قليلاً جداً مقارنة بما هو غير معروف.
وهذا هو سر أهمية كتاب (السلام المفقود: القصة السرية لمعركة السلام في الشرق الأوسط) لمؤلفه دينس روس المنسق الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط على مدى 12 عاماً.
ففي ديسمبر عام 1999 وفي الوقت الذي بدا فيه أن سوريا وإسرائيل يحققان تقدماً مفاجئاً على صعيد محادثات السلام بينهما اتصل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بالرئيس السوري حافظ الأسد وقدم إليه طلباً لاسترداد رفات ثلاثة جنود إسرائيليين كانوا قد فقدوا خلال عمليات عسكرية إسرائيلية في الأراضي اللبنانية في الثمانينيات، وقد أبلغ كلينتون نظيره السوري أن إسرائيل حصلت على معلومات مؤكدة عن موقع المقبرة الموجود بها جثث الجنود الثلاثة.
وقال كلينتون إن سماح سوريا لفريق من خبراء الطب الشرعي الأمريكيين بفحص هذه الجثث سوف يبعث برسالة مهمة إلى الرأي العام الإسرائيلي الذي ينظر بتشكك كبير إلى سوريا، وسيكون فحوى هذه الرسالة هي أن سوريا جادة بالفعل في الاتجاه نحو عصر جديد من العلاقات السلمية مع إسرائيل، وكان الرد السوري مفاجأة حقيقية.. فقد اعتاد الرئيس السوري في ذلك الوقت حافظ الأسد على رفض أي خطوة تهدف إلى التواصل مع الرأي العام الإسرائيلي، ولكنه هذه المرة وافق على استقبال فريق الطب الشرعي الأمريكي في دمشق، وتعاون الأطباء والخبراء السوريون معهم في فحص بقايا الجثث الموجودة في المقبرة التي تحدثت عنها المعلومات الإسرائيلية.
وبالفعل ذهب الأطباء الأمريكيون إلى دمشق وأجروا أبحاثهم لكنهم تأكدوا أن البقايا الموجودة في المقبرة لم تكن بقايا الجنود الإسرائيليين.
وهذه القصة التي لم تصل إلى وسائل الإعلام كشف عنها دينس روس مبعوث الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في كتابه الذي صدر حديثاً (السلام المفقود).
والحقيقة أن هذا الكتاب يقدم قراءة قيمة ومهمة وموثقة لمسيرة روس على مدى 12 عاماً كان خلالها لاعباً أساسياً في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يدخل في دائرة كتب المذكرات الشخصية إلا أن ما يتضمنه من حقائق يُكشف عنها النقاب لأول مرة يمكن أن تكون مفيدة بالفعل في إطار السعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
ويؤكد روس في كتابه أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كان في لحظة معينة يسعى بكل إخلاص لتحقيق السلام مع إسرائيل.. ليس هذا فحسب بل إن الوسيط الأمريكي يُحمِّل رئيس الوزراء الاسرائيلي باراك مسئولية فشل المفاوضات مع سوريا في ذلك الوقت عندما يقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك عندما لاحظ حماس الرئيس السوري حافظ الأسد لتحقيق السلام عاد بقائمة جديدة من المطالب التي لا يمكن لسوريا قبولها.
والحقيقة التي يكشف عنها الكتاب تقول إن كل شركاء السلام في الشرق الأوسط وبخاصة الإسرائيليين والسوريين والفلسطينيين فشلوا في تجسيد حماسهم لتحقيق السلام في صورة اتفاقات حقيقية، كما أن كل طرف عجز عن تفهم مخاوف الآخر ومطالبه لتمرير الاتفاق لدى شعبه.. فقد طالب إيهود باراك بفترة عامين حتى يتمكن من إخلاء المستوطنات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان السورية المحتلة وإعادتها إلى سوريا، ولكن لماذا يحتاج إلى كل هذه الفترة الطويلة؟
الحقيقة أن إقناع المستوطنين اليهود بإخلاء مستوطناتهم ليست مهمة سهلة، وكانت النتيجة هي الفشل في التوصل إلى اتفاق كان يبدو قريباً، وكانت النتيجة هي انهيار جهود السلام في الشرق الأوسط وتفجر العنف في الأراضي الفلسطينية من ناحية وجمود المسار السوري الإسرائيلي من ناحية أخرى، والحقيقة أن دينس روس يتمتع برؤية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي لا تتوفر لكثيرين من السياسيين والدبلوماسيين الأمريكيين، فقد بدأ الرجل العمل في ملف السلام في الشرق الأوسط منذ حكم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب واستمر مع بيل كلينتون لمدة ثماني سنوات، كما أنه عاصر العديد من الحكومات الإسرائيلية وهذا يعطي كتابه أهمية تاريخية كبيرة.
وفي تفسيره لأسباب فشل جهود السلام يقدم روس إجابتين: الأولى بسيطة والثانية غامضة.
الإجابة البسيطة هي أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان في النهاية، حسبما رأى روس، سبباً رئيسياً لفشل جهود السلام، ويوضح روس في كتابه هذه الفكرة بطرق جديدة.
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث في ديسمبر عام 2000 عندما كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يستعد لترك البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة، فقد اقترح الرئيس كلينتون مجموعة من الخطوط العامة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقبلت الحكومة الإسرائيلية المقترحات الأمريكية مع بعض التحفظات ولكن الرئيس عرفات رفضها.
ويروي روس في كتابه أن كلينتون قال لعرفات إنه برفضه للأفكار الأمريكية (يقتل إيهود باراك ومعسكر السلام في إسرائيل)، ولكن عرفات لم يغيِّر موقفه.
ويقول روس إن التوصل إلى اتفاق نهائي مع عرفات غير ممكن لأنه (يستطيع التعامل مع عملية مستمرة ولكنه لا يستطيع التعامل مع حل نهائي).
أما الإجابة الثانية والأكثر تعقيداً هي أن أياً من الطرفين لم يأخذ خطوات كافية لكي يدرك احتياجات ومخاوف الطرف الآخر.
يقول روس: (الإسرائيليون كانوا يتصرفون كما لو كان يجب أن تصب كل القرارات في صالحهم وتلبي احتياجاتهم فقط دون أي نظر للاحتياجات الفلسطينية).
وبالنسبة للعرب يقول: (التحول الذي يجب أن يحدث على الجانب العربي هو أن يعترف العرب بأن لإسرائيل احتياجات يجب تلبيتها).
ويرى روس أن الفشل الأمريكي الكبير لم يكن في عدم إدراك حقيقة موقف الرئيس عرفات وإنما كان الفشل في عدم اختبار قدرة عرفات على تحقيق السلام أو إجباره على إعداد الشعب الفلسطيني للقبول بتقديم تنازلات ضرورية لتحقيق السلام.
والحقيقة أن كتاب روس يكشف أيضاً عن نتيجة مهمة للغاية وهي أن كلاً من الإسرائيليين والعرب كانوا دائماً مستعدين للتخلي عن المفاوضات في أي لحظة.
الكتاب يقدم تحليلاً للأحداث التي عاصرها روس في عملية السلام أكثر مما يقدم رصداً تاريخياً لتلك الأحداث.
في الوقت نفسه فإن الذين راهنوا على هذا الكتاب لفض الاشتباك بشأن حقيقة ما عرض على الفلسطينيين في مفاوضات كامب ديفيد أواخر عام 2000 قد ربحوا الرهان، فقد كان دينس روس أحد المشاركين بفاعلية في هذه المفاوضات التي جرت على مدى أكثر من أسبوعين بين رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت إيهود بارك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لذلك فإن كتابه يكشف النقاب تماماً عن حقيقة العرض الأمريكي الإسرائيلي على الفلسطينيين لتسوية الصراع بشكل نهائي.
ففي ملاحق الكتاب يوجد نص العرض الأمريكي الإسرائيلي للفلسطينيين وهو يقول: (بالنسبة لقضية الأرض فإن الفلسطينيين سوف يحصلون على قطاع غزة بالكامل وعلى ما يتراوح بين 94 و96 في المئة من الضفة الغربية، وفي مقابل الأراضي التي سيتركها الفلسطينيون من الضفة الغربية تترك إسرائيل لهم ما بين واحد وثلاثة في المائة من أراضيها للفلسطينيين).
بالنسبة لقضية الأمن فإن الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية سيتم في خلال 36 شهراً مع قدوم قوات دولية تدريجياً إلى المناطق الفلسطينية، ويتم السماح بوجود قواعد إسرائيلية صغيرة في بعض المناطق بوادي نهر الأردن لمدة 36 شهراً أخرى وتكون تحت سلطة القوات الدولية، وتكون الدولة الفلسطينية (دولة منزوعة السلاح) مع وجود قوات أمن داخلي قوية مع وجود قوات دولية على حدودها للقيام بحراسة الحدود والردع.
بالنسبة لقضية القدس المحتلة تُعتبر المناطق الموجود بها العرب فلسطينية والمناطق الموجود بها اليهود إسرائيلية مع سيادة فلسطينية على المسجد الأقصى وسيادة إسرائيلية على الحائط الغربي أو حائط البراق. بالنسبة للاجئين يتم السماح بعودتهم إلى الدولة الفلسطينية الجديدة أو توطينهم في الدول الموجودين بها أو توطينهم في بلد ثالث أو السماح لهم بالعودة إلى إسرائيل إذا اختارت إسرائيل ذلك، ولا يكون لأي لاجئ فلسطيني الحق في العودة إلى أرضه داخل إسرائيل على غير رغبة إسرائيل!! ويكشف روس سر الرفض الفلسطيني للعرض الإسرائيلي الأمريكي في هذه المفاوضات وهو أن هذا العرض لم يقدم دفعة واحدة وباعتباره عرضاً وحيداً ونهائياً ولكن الإسرائيليين بدأوا بعرض الانسحاب من 60 في المائة من الضفة الغربية في مرحلة الاستعداد لمفاوضات كامب ديفيد، وبمرور الوقت زادت النسبة إلى 80 في المئة ولكن الفلسطينيين رفضوا، وعرض الإسرائيليون 87 في المئة من الضفة الغربية وتكرر الرفض الفلسطيني.ومع بدء مفاوضات كامب ديفيد زادت النسبة إلى 91 في المئة واستمر الرفض الفلسطيني، فوصل العرض الإسرائيلي إلى 96 في المئة.
وكانت المأساة، حسب قول روس، ان الفلسطينيين لم يعرفوا متى يمكنهم أن يقبلوا نتيجة الاستراتيجية الإسرائيلية في التفاوض فظنَّ الفلسطينيون أنهم يستطيعون الرفض حتى يحصلوا على مائة في المائة وهو أمر غير واقعي بالمرة فكانت النتيجة هي كارثة انهيار هذه المفاوضات وضياع حلم تحقيق السلام بعد أن كان قد اقترب وكادت الأيدي أن تلمسه.
وأخيرا فإن هذا الكتاب المهم لم يخل من نقاط ضعف أهمها تجاهل الجانب الإنساني للشخصيات التي تضمنها الكتاب.. فلم يخبرنا روس مثلا كيف كان يبدو حافظ الأسد خلال التفاوض؟ ولم يخبرنا كيف كان يمكن التأثير على الرئيس عرفات؟ ولا التركيبة الإنسانية لإيهود بارك.. فبدا الكتاب وكأنه يحكي عن آلات مبرمجة تتحرك بدون انفعال.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved