قد يكون من الحماقة الشديدة تأكيد أن مستقبل صراع عسكري معقد وموقف سياسي صعب في دولة كبيرة وغير مستقرة مثل العراق يتوقف على حل أزمة صغيرة نسبياً في مدينة واحدة. ولكن الحقيقة أن أزمة مدينة النجف الراهنة سيكون لها تأثير كبير على مستقبل الصراع في العراق ككل حتى وإن لم يكن هذا التأثير حاسماً. فبعد فترة طويلة نسبياً من الهدوء بدأت القوات البريطانية في مدينة البصرة وغيرها من المدن في الجنوب العراقي ذي الأغلبية الشيعية تتعرض لهجمات متكررة من جانب أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
وبالتأكيد فإن تأثير أزمة مدينة النجف حيث يتحصن الصدر والمئات من أنصاره في مسجد الإمام علي بقلب المدينة القديمة ويخوض مواجهة عسكرية شرسة مع القوات الأمريكية والقوات الحكومية العراقية الموالية لها يؤثر على موقف القوات البريطانية في البصرة وغيرها من مدن الجنوب العراقي. والخطر الذي تواجهه قوات الاحتلال في العراق أصبح حقيقياً.
وقد نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية تقريراً عن قيام الإسرائيليين بتدريب القوات الأمريكية على خوض المعارك في المناطق السكنية وتصدير الأساليب العسكرية الإسرائيلية المستخدمة في قطاع غزة والضفة الغربية إلى العراق.
وإذا كان هذا التقرير حقيقياً فسوف تواجه الحكومة البريطانية المزيد من الضغوط من جانب عائلات الجنود البريطانيين الذين يموتون في العراق في الوقت الذي لا تتمتع فيه بريطانيا بأي تأثير على الصراع الدائر فيه.أما بالنسبة لأزمة النجف يمكن القول إن عدم وجود أخبار جديدة حتى الآن هو في حد ذاته نبأ سار.
ففشل أي من طرفي الصراع في هزيمة الطرف الآخر يجب أن يكون أمراً جيداً. فالمطلوب في النجف هو سيطرة الأغلبية التي لا تؤيد لا جيش المهدي الموالي للصدر ولا الأمريكيين.
والحقيقة أن نتيجة أزمة النجف سوف تشكل توازن القوة في المجتمع العراقي والدولة العراقية التي ستظهر من خلال الاضطرابات الحالية.ولكن يبقى السؤال الأهم وهو.. هل هناك إمكانية في استمرار العراق بحدوده الحالية رغم كل ما يحدث؟
ربما نريد جميعاً حل مشكلة النجف لكنها بالتأكيد لن تقدم لنا الإجابة على هذا السؤال رغم كل شيء.
(الجارديان) البريطانية |