** يدق الفتى على زجاج السيارة المتوقفة أمام إشارة مرور بيده (اعطني خمس مية... الله يخليك) يقول للسائق. ملامحه الحزينة تثير شفقته، فيلبي طلبه. بعد قليل يتقدم الفتى نحو سيارة أخرى، يعيد الطلب نفسه، غير أن السائق هذه المرة يصرخ بالفتى، محاولاً اللحاق به وضربه. وكان هذا مضمون الإعلان المتلفز الذي بثته وزارة الداخلية في إحدى الدول العربية المجاورة لدعوة المواطنين إلى عدم الامتثال لطلبات (أطفال الشوارع) وتبليغ الأجهزة الأمنية عن أماكن وجودهم، لكي تبادر الأخيرة إلى (مساعدتهم وتأمين البيئة الملائمة لهم)، وعوداً إلى واقعنا المحلي وخاصة عند (إشارات المرور) تحت شمسنا الحارقة، يخرج بعض الأطفال، حافي القدمين، ليمد يده متسولاً فيثير في نفوسنا بقية (الشفقة) وبركاناً من الألم على (ذواتنا) قبل ذاته المظلومة، وقد كتبت قبل هذه المرة عن هذه المناظر المتكررة عند إشاراتنا، التي تؤرقنا جميعاً، وقبل أن نحتاج إلى عمل (إعلان متلفز) بلهجتنا السعودية لمكافحة هذه الجريمة في حق هؤلاء الأبرياء وتأجيج عواطفنا الإنسانية لمحاربتها، ماذا عسانا ان نفعل أو بالأصح ماذا على الجهات المعنية أن تفعله قبل أن تتحول إلى ظاهرة ؟ وكعادتنا في مزاولة (الصمت) حتى - تتحول تصرفات فردية غير مسؤولة إلى ظاهرة اجتماعية ثم مع ازدياد الصمت يزداد تعقيدها مع الزمن وتتحول إلى نسيج معقد ثم تشكل (لجنة) لدراسة الوضع وهكذا تستمر حلقات مسلسل (الصمت).
أخيراً..
قبل أن تتحول هذه المناظر المؤلمة التي نشاهدها يومياً والتي تزداد مع الصيف رغم شمس أغسطس إلى ظاهرة (أطفال الشوارع) كما في كثير من الدول العربية الشقيقة، أضع هذه الأسئلة في الطريق للقضاء عليها:
هل يكفي مطاردة هؤلاء الأطفال وإلقاء القبض عليهم وتسليمهم إلى الإصلاحيات المعنية؟ أو هل يكفي توجيه المواطنين إلى مساعدتهم بالطريقة الصحيحة؟ وقبل ذلك وبعده تبقى هذه (المناظر) تحترف الإشارة إلى مناطق مؤلمة في نسيجنا الاجتماعي، يجب فحصه وغربلته قبل أن تتحول هذه التصرفات الطفولية وغيرها إلى ظاهرة قد نحتاج معها في المستقبل القريب إلى إعلان متلفز لمحاربتها والحد منها.
|