كان المهتمون بالعمل الخيري والاجتماعي والتعاوني قد استبشروا بقدوم معالي الدكتور علي النملة لوزارة العمل والشئون الاجتماعية قبل ثلاث سنوات (تقريباً)، وهو الأكاديمي المعروف والذي يتمتع بالمرونة والحكمة والعلم، مما يجعلنا نتفاءل بأنه سيسعى لتغيير الرتابة والتعقيد اللذين تميزت بهما أعمال بعض موظفي هذه الوزارة منذ ثلاثين سنة ولم تتغير، ولكن الدكتور علي النملة قد انشغل بمشاكل العمالة والعمل، ودخل في معمعة المشاكل المتراكمة منذ سنوات, ولعله الآن وبعد أن تفرغ فقط للشئون الاجتماعية وانفصلت الشئون الاجتماعية عن وزارة العمل، فإننا ندعوه للنظر في التراكمات الإجرائية المتبعة والتي تعتبر أحد العوائق الرئيسية التي تعيق العمل الخيري وتعيق الحرب على الفقر.
وفي الحقيقة، إن مَنْ يعرف الكيفية والروتين الذي تدار به الخدمات التعاونية والخيرية الاجتماعية في بلدنا الحبيب بإشرافٍ مركزيٍ حاد من وزارة الشئون الاجتماعية (حالياً) يدرك أن (ابا شيخة) استاذنا عبدالرحمن السماري لم يبالغ ابداً حينما تحدث عن نفس الموضوع، ووصف أعمالهم بأنها معقدة وجامدة منذ إنشائها، حيث تم الاستعانة ببعض إخواننا العرب الوافدين آنذاك للعمل في هذه الوزارة والذين قاموا بنقل نسخة من نظام العمل الاجتماعي المطبق في بلدهم بجميع مزاياه وعوائقه التي تناسب ذلك المجتمع آنذاك.. ونرى في هذا العصر وبعد ثلاثين سنة أو أكثر من الإنشاء أن كل شيء تغير وتطور إلا أعمال الشئون الاجتماعية والجمعيات الخيرية، فالمعاملة تأخذ سنوات والتعامل يتم وفق دوائر متداخلة ومتباعدة، ويحتاج الراغب بالخدمة الاجتماعية لما لا يقل عن عشرين مشواراً بين الدوائر الحكومية من أجل توفير المستندات اللازمة للحصول على الخدمة الاجتماعية والخيرية!! وحيث إن بعض المرضى يعاني من قلة ذات اليد أثناء تلقي العلاج أو ينقطع عن مصدر رزقه فقد يترك احدهم العلاج ويقطع البرنامج العلاجي فقط لأنه لا يجد أجرة الليموزين!! أو لا يجد قيمة التذكرة!! أو لا يجد سكناً يأوي إليه حينما يأتي لمراجعة أحد مستشفيات الرياض.. ولا اكذب ولا ابالغ حينما اقول إن تأسيس جمعية خيرية تعني بشئون هؤلاء المرضى وعلاجهم وأحوالهم الاجتماعية والمادية، وهي جمعية خيرية تخدم شريحة كبيرة من المرضى البؤساء قد استغرق ست سنوات، وصل فيها الملف إلى مئات الصفحات وامتلأت بعبارات (إلحاقاً لخطابنا رقم وتاريخ، وإشارة على خطابكم رقم وتاريخ، وعطفاً على خطابنا رقم و...) إلخ، وكلها إجراءات غير ضرورية وبطيئة جداً يشغلون بها أوقاتهم وأوقاتنا، وحيث إن لدينا اهتمامات أكبر وأهمّ فقد مللنا المتابعة وقمنا بدفن هذه الفكرة وتناسيناها ونحن نتقطع ألماً وحسرة، فتركناهم ولم نتابع المعاملة وصرنا نتعامل مع هؤلاء المرضى الفقراء بطرق فردية متباينة.. (ثم وفجأة بعد مرور ست سنوات بالتمام تأتي الموافقة المحترمة بشروط وضوابط ستجعل العمل الخيري أكثر تعقيداً)! وتأتي الموافقة ومعها تعقيدات أخرى ومرجعية لنفس هذا الروتين الإجرائي، وكأنه هو الآمر الناهي ولا قيمة ولا اعتبار لرئيس مجلس الإدارة لهذه الجمعية أو الأعضاء. (ورغم أن بعض مجالس الإدارة تمتلئ بالناضجين والمثقفين والثقات والأعيان والأكاديميين والأطباء ورجال الأعمال.. إلا أن أراءهم لا تعدو سوى اقتراحات يوافق عليها روتين ونظام وزارة الشئون الاجتماعية أو ينسفها)، ولو وجد رجل يفقه في هذه الإجراءات لاكتفى بتوقيع واحد واختصر كل هذا المشوار، ولدخل هذا العمل الخيري ضمن عوامل بناء المجتمع منذ سنوات.. وقد زرت الوزراة فوجدت التعامل بالأوراق والأرقام والتقسيمات دون دخول الحاسب الآلي ودون تسهيل.
وأتمنى من معالي الوزير أن يعيد النظر في تلك الإجراءات البطيئة المعقدة والتي يدل بعضها على قدم هذه الوزارة، ويشير إلى أصابع ابناء الستينات والسبعينات (رحمهم الله) الذين كان الموظف منهم يملك المعاملة وكأنها ميراث من أبيه، ويقفل عليها درج مكتبه إذا غاب أو ذهب في إجازة، ويجتهد كل الاجتهاد في البحث عن الثغرات والنواقص أو يفتعل بعض الإجراءات غير اللازمة من أجل أن يثبت أنه هو الوحيد صاحب القرار!! وقد يعيق هذا الموظف برغبته أي نشاط خيري تقوم به إحدى الجمعيات دون أي سبب وجيه، فقط لأنه هو الوحيد صاحب القرار ولأن هذا النشاط (لم يدخل مزاجه)!
ولا تستبعدوا أو تضحكوا أن يطلب هذا الموظف من شخص معاق وعلى كرسي متحرك ومقطوع اليدين والرجلين أن يذهب لإحضار شهادة إعاقة ويختمها من المستشفى والعمدة ومن البلدية وأمير المنطقة ويُحضر شاهدين وتزكية من آخرين وملف علاقي، ثم يطلب منه أن يذهب للجهة الفلانية لتصديق ختم المستشفى ويذهب للشرطة لتصديق ختم العمدة والجهة الفلانية لتصديق ختم وتوقيع البلدية والجهة الفلانية لتصديق ختم من صادق على تلك التواقيع... وهكذا تستمر الدائرة، ويخسر خلالها هؤلاء المحتاجون المال والجهد والوقت والبحث عن الليموزين في عز الظهيرة والكآبة.. ثم.. يقرر له أربعمائة ريال في السنة!!!.
نأمل منك معالي الوزير إعادة النظر في هيكلة الوزارة وتجديد الدماء والتخلص من أولئك القدماء الذين يزيدون الأمور تعقيداً، فنحن في زمن يسعى فيه ولاة أمرنا إلى تسهيل الخدمات وتكثيف العمل الخيري ومحاربة الفقر، وهو الوقت الذي يسعى فيه المجتمع بكافة شرائحه لدعم المحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة... الخ. فلم ولن يتأتي ذلك إلا بإعادة هيكلة العاملين في هذا القطاع الاجتماعي الهام وتجديد العمل ووجوه العاملين بما يتناسب مع هذه الفترة الزمنية المختلفة المتسارعة والتي تعتمد على سرعة الإجراءات والتسهيلات والتخفيف على المواطن المحتاج لهذه الخدمات الاجتماعية.
نرجو منكم -أخي الوزير- أن تعملوا على تسريع وتسهيل هذا الجانب الإنساني المهم، وإزاحة كل من يتسبب في إعاقة هذا العمل الحيوي، سواء بسبب شخصية هذا الموظف وقدراته العملية والعقلية، أو بسبب الروتين والإجراءات القديمة.
( * ) عالم أبحاث ورئيس وحدة المسرطنات - مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث
عضو مؤسس وأمين صندوق الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان
|