شغلت بنت السعداوي نوال بنفسها، وأشغلت ثلَّة لا أحسب أنَّ أحدهم لن يندم على إراقة قطرة دهشة من جبين همِّه بعد أن يستقر به المقام خارج أسوار التفكير فيما وعمَّا تُقدِّمه من (طروحات) اجتماعية هي النَّاتج المعاكس لذهنيِّة شذَّبها الوعي أو لشخصية أنضجتها التجارب... ذلك لأنَّ هذه السيدة تُمثِّل (مجموعة) من تركيبات معقَّدة بدأت معها منذ أن تكوَّرت بين أيدي سجَّاناتها وهن يسفكن دمها، حتى استوى بها الأمر إلى الاجتراء على المعتقد الديني الذي يُفترض أن يكون (المقدَّس) الذي ينافح عنه قلمها على اعتبار أنَّها إن لم تكن مِن وفي بيئة مسلمة فإنَّها على أقل تقدير قريبة منها، وواحدة ممَّن يُفترض أن تُعمل مؤهلاتها للحياد...، لكن، والأمر أنَّ هذه السيدة تعبَّأت (بحكم) ظروفها النَّشأويَّة مليئة بكميات من رواسب مظلمة تحرَّكت داخلها كمفاتيح لكل ما هو سالب، وبشعور المُضطهد الذي بلغ المرام في سدَّة السلطة التعبيرية، والصوت الواصل فإنَّها لم تأل جهداً في النفخ يميناً ويساراً فانبهر بها كل من وجد في نفسه حاجة من حاجاتها.
أخيراً فإنَّها لم تعد فيما يبدو تُفرِّق بين الاجتراء على (الحقيقة) واصطناع (حقيقة) في وهمها الذي كثيراً ما طرحته فالتبس عليها وعلى مَنْ معها.. هذه السيدة لم تُمارس الأسباب المانحة لها، فاضطربت، ذلك لأنَّها تمارس الإحساس بالاضطهاد والسلب، ولأنَّها لم تكن تقوى على المنْح فإنَّها في المقابل تشنُّ بين فينة وأخرى أفكاراً تضعها في مواجهة مع سلب الحقائق فتوافر العلل السَّالبة في حياتها كما تفسرها لها قناعاتها أطَّرت مفرزاتها داخل بوتقة من الصهر الحارق لقيم الحق لأن تطفو بما لا ينمُّ عن وعي بيئي مكَّنها من (الصدق) أو حتى رؤية الحقائق في ضوئها المجرَّد لا من رؤيتها الشخصية المُتراكمة... ومثل هذه التركيبة، لا تمنحها المبرِّر الكافي في ضوء إمكاناتها المعرفية وقدراتها على الأقل العلمية والخبروية للتطاول على معتقد الآخر الذي يُشاطرها لقمة الرغيف الاجتماعي، أو يستظل معها تحت سماء المساحة المجتمعية القومية... فلئن حققت لنفسها ثبوت التَّنصل من الانتماء العملي لهذا المُعتقد، فإنَّ ما تفرزه بين فينة وأخرى يؤكد أنَّ عليها الوقار ولو في شيء من أدب التَّعامل مع ما تحمله صدور أمة تحمل هويتها في أقلِّ المقدَّرات.
فهي لم تعد تُغري بكتبها سوى الغرِّ الذي يستثار فضوله، ويفغر فاهه دهشة بابتسامة بلهاء تؤيد جهله بأدلة تبدو للخاصة وعامة الواعين الفاهمين الدارين الدارسين المتابعين لمسيرة نفسية هذه التركيبة البشرية بما فيها من عُقد سبباً كافياً لتهميشها وعدم منْحها مزيداً من الهالة التي تُسلَّط عليها إعلامياً.
إنَّ معالجة نماذج الأخطاء في شخوص الممارسين للحياة لا تعني التعرُّض للمُعتقد الأساس في صدور الأمة، وعليه فإنَّ لنوال السعداوي أن تدرك أنها لن تحطِّم هذا المُعتقد فقط لأنَّها قادرة على الكتابة، أو تجد لها في نفوس ضعيفة هوى... ذلك لأن الإنسان من يُوسم بمعتقده، وليس العكس... وما دامت غير قادرة على الإيهام بما تصنعه، فإنَّ الحقائق وحدها ما سوف يكون له الدوام.
|