يحفل القرآن الكريم بعدد من الآيات الكريمة التي تحث على ضرورة البذل في مجالات الوقف الإسلامي: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.. } سورة الحديد (10) وكذلك آية: {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، وآيات أخرى تحمل في ثناياها حضا على الإنفاق تصريحاً كان أو تلميحاً، وكذلك الأحاديث الكثيرة التي تغص بها كتب الحديث النبوي الشريف، والتي تدعو إلى تحفيز أصحاب الأموال من هذه الأمة، وحتى فقرائها في نيل الخير بالإنفاق، وكان أشهر تلك الأحاديث ما رواه البخاري: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وما رواه الجماعة عن وقف عمر- رضي الله عنه- من سهمه في أرض خيبر، حيث تصدق بها عمر على أن يحبس أصلها، وألا تباع، ولا توهب ولا تورث، وكذلك ما فعله عثمان بن عفان- رضي الله عنه- من وقف بئر رومة لينتفع به المسلمون جميعاً، وما روي عن جابر قوله لم يكن أحد من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذا مقدرة إلا وحبس - أي أوقف شيئاً على أعمال الخير - فكانت هذه الأحاديث وغيرها وما تبعها من وقائع عبر التاريخ الإسلامي من كثرة الواقفين دافعاً لمزيد من مساهمة الوقف الإسلامي في عملية النمو الاقتصادي والاجتماعي والعلمي، وما زال بعض هذه الأوقاف قائماً كشاهد على مدى خيرية هذه الأمة التي تسعى لاستمرار الخير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والذين فقدوا نعمة الإنفاق والبذل والرحمة هم أشقياء، لأنهم أبعد الناس عن رحمة الله، فقد قال الصادق المصدوق: (الراحمون يرحمهم الرحمن)، (من لا يرحم لا يرحم)، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- مبلغ عن ربه، ومن تمام طاعته وكمال اتباعه الالتزام بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه، ومما أمر الله به سبحانه وحثنا عليه- صلى الله عليه وسلم- التراحم، ومناحي الرحمة وأبوابها واسعة متعددة، وخاصة بين المخلوقين، ومن صورها رحمة الفقراء والمساكين وأهل الحاجة وقضاء حوائج الناس وتفريج الكرب عن المكروبين ومساعدة الضعفاء، ومجتمعنا بحمد الله يزخر بنماذج من المنفقين والباذلين للخير، ولدينا مشروعات خيرية عمت المدن والقرى وتعدت بركتها ونفعها حدود هذه البلاد، ومما منّ الله به على بعض المحسنين إقامة المشروعات الخيرية من بناء مساجد ومشاريع تعليمية وصحية، ومن بين هؤلاء المحسن الوجيه الشيخ عبدالله بن سعود بن طالب، الذي تبرع جزاه الله خيراً بأرض بمساحة 2500م2، ثم قام بإنشاء مشروع المركز الصحي بالعمارية بمبلغ ثلاثة ملايين ريال بجميع تجهيزاته الطبية والمكتبية، وأتمها بالتبرع بسيارة إسعاف جديدة بكامل تجهيزاتها، ولهذا المشروع دلالات عديدة أولها استمرار هذه السنة المباركة، سنة الوقف، والأمر الثاني تعدد مناحي الوقف وعدم اقتصاره على أمور محدودة، كما يظن البعض حينما يقصر الوقف في بناء المسجد فقط أو الطعام والشراب، ورغم مكانة المسجد في حياة المسلمين إلا أن بعض المشروعات تعطى الأولوية، ولاسيما إذا تعلقت بصحة الإنسان وإنقاذه من المرض وعمل الأسباب لشفائه.
ولقد عرفت تلك الأسرة الفاضلة (آل طالب) منذ أكثر من خمسة عشر عاماً وزادت صلتي بهم عندما زاملت اثنين من أبنائها الأخيار سعود وفهد، وبقية أشقائهم وإخوانهم الكرام، فهي أسرة خيرة ومحبة، وبذل وعطاء وأخوة صادقة ناصحة، وليس بمستغرب عن تلك الأسرة هذا العمل الجليل المبارك والشيخ عبدالله بن طالب رجل خير وبر وإحسان وكرم مجلسه عامر بالغادين والرائحين على موائده، جعل الله هذا المشروع في موازين حسناته وأمده بالصحة والعافية.
وبهذه المناسبة فإنني أقدم اقتراحي لصاحب السمو الأمير أحمد بن عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود، محافظ محافظة الدرعية وللمسؤولين في وزارة الصحة على حد سواء بطلب تسمية المركز الصحي باسم الشيخ عبدالله بن طالب، كأقل تقدير لهذا الرجل الذي لم يكن يسعى لذلك، ولكنها أمنية كل محب للخير، وداع له وخاصة أبناء (العمارية) الذي غمرهم بفضله وإحسانه وليس هذا المركز بأولها ولا آخرها، كما أتمنى من وجهاء العمارية ورجال الأعمال والمستثمرين فيها وهم غير قليل أن يتبنوا إنشاء استثماري يخصص ريعه لصالح هذا المركز من أجهزة ومعدات طبية وصيانة ونظافة وتأمين أدوية ونحوها، إضافة إلى دعم وزارة الصحة السنوي.
|