فوزي محسون كأحد فنانينا القدامى.. أعطى للأغنية في بلادنا أكثر مما أعطى الكثير من إخوته الفنانين.. إنه فنان حساس.. وذكي.. تسانده في ذلك ثقافة ممتازة.. وخبرة فنية طويلة.. تجعل منه فناناً من الرعيل الأول في المملكة.. يتمتع بصوت غنائي جيد.. وأداء متميز.
ومع أن لكل فنان شخصية فنية مستقلة أو مميزة.. ففوزي محسون ثاني اثنين هما عبدالله محمد وفوزي.. من خلال متابعة الانسان لأعمالهم الفنية ومعايشتها.. يجد أن بصماتهم الفنية تختلف اختلافاً كبيراً عما يقدمه الفنانون الآخرون.. ففوزي ينفرد بأسلوب خاص في التلحين.. وأداء فريد.. له طابع المعاناة.. والمناجاة المرهفة.
وفوزي الذي برع كملحن تغنَّى بألحانه الكثير من الفنانين أمثال طلال مداح وعبادي الجوهر.. وابتسام لطفي، وغيرهم.. لاقت ألحانه قبولاً واستحساناً.. فهو فنان ساهم أيضاً في إبراز بعض الصور الشعبية وقدمها في قالب غنائي يختلف عما كانت تُقدَّم به.
كلنا نتذكر اللحن الشعبي الذي قدمه لنا في أغنية (عشقت ولا لي في المقادير حيلة) من التراث الشعبي الحجازي (المجرور)، هذا اللون الشعبي الذي كاد أن تمسح معالمه عقارب الزمن.. فأخرجه لنا الفنان فوزي ليتغنى به.. وتتغنى به الفنانة (هدى).. فأعجب بهذا اللون المتميز بإيقاع نابض الكثير من الملحنين والفنانين العرب.. وكان من شدة اعجابهم به ان أدخله الملحن الكبير الشاب بليغ حمدي.. من أشهر فرسان التلحين في جمهورية مصر العربية الشقيقة في احدى ألحانه التي قدمها لكوكب الشرق أم كلثوم في أغنيةٍ لم يحضرني اسمها وقت كتابة هذه السطور.
نجد أن هناك أعمالاً فنية كبرى شدَّتنا اليها منذ ولادتها ولا زالت تتردد في أذهاننا.. شجية.. غنية بعاطفة صادقة .. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر.. (متعدي وعابر سبيل.. حاول كذا وجرب .. وما تبغى تهدأ تروق.. والهوى لو تمنى.. وقديمك نديمك.. وسبحانه..).
إنها لأعمال تؤكد نجاح فوزي كفنان ملحن.. قدم الكثير من الألحان بجانب كونه كفنان مغن (مطرب) يستحق منا أن نشد على يديه معجبين.. ومطالبين باستمراره في تقديم انتاج جديد يتوازى مع ما قدمه من تلك الأعمال التي أسلفنا ذكرها.. والتي لاقت نجاحاً كبيراً لدى جمهوره الفني.
ثمة أشياء طفيفة.. وإن كانت لا تبدو كذلك من أول وهلة في نظر من يقدرون الفن.. ويتذوقونه: لماذا تأتي بعض أعمال فوزي مشوهة؟ ولماذا يستعين فوزي بإدخال بعض (المازورات) المستعارة في ألحانه؟ ولماذا تبدو أوجه الشبه متقاربة بين معظم ألحان فوزي..؟ إنها تساؤلات تدفعنا ولو لوقفة سريعة نستعرض من خلالها بعض الاعمال التي تأتي مشوهة لمحاكاتها لألحان سئمناها وأصبحت (سامجة)؛ مثل لحن أغنية (صفحتي في الحب)، فهو نسخة طبق الأصل من اللون الشعبي (لا لا يالخيزران..).. فلم يستجد جديد على أذن السامع سوى كلمات الاغنية، وقد يكون الدافع في اخراجها يأتي من فرط الفنان بالانتاج الكمي.. الذي لا يعتبر مقياساً حقيقياً لرصد الفنان؛ إذ لا بد أن تأتي مع ذلك القدرة في كيفية العمل..! كما أن الاستعانة ببعض الجمل الموسيقية من أغاني الغير مثل الألحان القديمة لطلال مداح وإدخالها في صياغة لحنية لأغنية يضع عليها فوزي خاتمه الرسمي فذلك لن يفوت على فطنة أحد مهما كان شأنه.. بل قد تسيء له أكثر مما تحقق له نجاحاً.
وأما أن تبدو ألحانه متقاربة الشبه وكأنها امتداد لعمل فني واحد.. فنحن نؤيد استقلال الفنان في شخصية متميزة.. لها طابع الشخص المستقل الذي يعبر عن روحها وإرهاصاتها.. في قالب فني فريد.. ولكن ذلك لا يتم بطريقة الحوار الموسيقي المسلسل.. بل يتم على طريقة تطوير تلك الملكة بشيء من الاغراق الفني.. والتأمل العميق في ابراز منهج الفنان.. ومدرسته التي ينفرد بها بلمسات تطويرية.. لا تؤمن بالأبعاد والحدود.. فالفن لا يؤمن بالروابط.. والضوابط.. وعندما يعير فناننا الكبير فوزي محسون هذه اللفتات المخلصة شيئاً من اهتمامه.. فستبقى شخصيته الفنية بارزة لفننا.. وستبقى مآثره الفنية محفورة في صدورنا وفي سطور تاريخنا الفني.. وإلى اللقاء مع فنان آخر.
محمد علي الرويبعة |