تعليقاً على ما ينشر في الجزيرة من مواضيع حول الاجازة السنوية لكافة العاملين في القطاع الحكومي والأهلي أقول: كنت استمع يوم أمس إلى احد البرامج الصباحية حول (كآبة اليوم الأول من الدوام) وقلت في نفسي لقد وفقت الاذاعة والعاملون فيها في اختيار هذا الموضوع الهام وبالذات في هذا الوقت الذي يحس فيه الموظف بالتثاقل بعد أن امضى لا يقل عن شهر بعيدا عن الروتين والشحن النفسي، وكنت اتمنى لو كان لدي الوقت للمشاركة في هذا البرنامج لنتباحث حول العديد من الامور التي تمس هذه الظاهرة.
طبعا لو اردنا ان نعرف الاسباب التي ادت الى هذا الملل فهي عديدة ومتشعبة لعل من اهمها هو الملل والسأم الذي يتولد لدى العديد من الموظفين نتيجة لعدة اسباب لعل في مقدمتها التجميد الوظيفي، عدم وجود المحفزات، الادارة غير الناجحة، حصول الموظف على الوظيفة غير المناسبة لطموحه.. الخ.
كل هذه الامور التي تخلق من الموظف مجرد آلة تطبق النظام لمجرد الحصول على الراتب (البعض لديه فلسفة خاصة اعطي الدولة على قدر الراتب)، بمعنى آخر أن الموظف يأتي ليطبق النظام بالتوقيع على الحضور والانصراف وما عدى ذلك فلا يهمه. وكنت اتمنى من المسئولين بالدولة ومن مجلس الشورى بالذات ايجاد حلول لهذا النظام الاداري المتهالك اذا اردنا ان ننقذ ادارتنا الحكومية من السقوط.
تخيلوا معي لو اهتمت الادارات الحكومية بالجانب النفسي ولا اقول المالي الذي يتخوف منه المسئولون، ما اعنيه لو تقوم كل ادارة حكومية او خاصة (اظن ان الخاصة تقوم بذلك) بتغيير شكل المكاتب كل عام سواء بالتأثيث او اعادة ضرب البويه او ادخال نظام الورود الطبيعية بالمكاتب وما شابه ذلك، بالله عليكم ماذا تتوقعون شعور الموظف في اول يوم، من المؤكد انه سيكون في غاية الاثارة لمشاهدة مكتبه كيف صار شكله بعد التعديلات، طبعا مديرو الشئون المالية التقليديون لن يعجبهم كلامي وسيقولون (الاخ مثالي زيادة عن اللزوم)، لكن صدقوني ان لهذا الامر مفعول السحر على الموظف ونفسيته.
بالامس كنت اراجع بادارة حكومية وكان الموظف يعاملنا وكأننا خدم لديه لدرجة انه اقفل الباب ساعة كاملة ولم يستطع احد منا سؤاله عن السبب على الرغم من تهديدنا ووعيدنا المسبق لهذا الموظف لما قام به من عمل غير مقبول اداريا، بل اننا جميعا وبلا استثناء اصبنا بالبكم او قل اصبحنا نعاجا. لكنني عندما القي بنظرة على مكتب هذا الموظف اتراجع عن لومه حيث مكيف المكتب يا دوب يبرد غرفة 3*4 فما بالك بغرفة لا تقل عن 6*4 ومليئة بالمراجعين، اضاءتها خافته ولا تكاد تنير، لا يوجد تهويه وكأنها بالقبو وعندما تنظر الى الجدران تقول كأن لها مئة سنة لم تدهن فبالله عليكم ضعوا انفسكم مكان هذا الموظف ماذا سيكون شعوركم وماذا تتوقعون شعوركم بعد العودة من الاجازة في هذه البيئة غير الصالحة للآدميين.
اتذكر عندما كنا ندرس بالخارج وكنت اراجع سنويا اخصائي البصريات كنت اجلس لبرهة ابحث عن الموقع على الرغم من ترددي السنوي على نفس المكان والسبب انهم يغيرون الديكور الداخلي والخارجي كل عام اتدرون لماذا لانهم يؤمنون ايمانا راسخا بأهمية الجوانب النفسية للموظف، فاذا ارتفعت نفسيته اثر ذلك على مزاجه ونفسيته وكان عطاؤه مع الآخرين ابداعا ومن ثم تحسنت خدمات الدولة في نهاية المطاف والله يعطينا الحظ.
د. علي بن حسن الزهراني
استشاري العلاج النفسي للاطفال والمراهقين
|