Thursday 26th August,200411655العددالخميس 10 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

عوداًً إلى البدايات عوداًً إلى البدايات
محمد السلطان

كيف بدأ الصدام الفكري العقائدي الاجتماعي الثقافي؟ ومن بدأ التصنيف والتحزيب والتهميش والتكفير والإقصاء؟ مجتمعنا- ولله الحمد والمنة- مجتمع فطري أصيل نبيل نقي خال من الأدلجة لايعرف التحزب، ولاينجذب ولاينساق وراء الاستقطاب، فلم يك ذات يوم شيوعياً ماركسياً، ولا اشتراكياً ثورياً، ولاحتى قومياً ناصرياً أو رأسمالياً امبريالياً، يسمع بكل ذلك، ولايعرف إلا شيئاً واحداً يتمثل في أن كل مايخالف دينه ويتعارض مع عقيدته ليس إلا مبادئ هدامة وأفكارغريبة مضللة لامكان لها في عقله، ولاتشغل حيزاً من تفكيره وحياته، يذهب للمسجد للصلاة متيقناً بأن المسجد مكان للعبادة وتعلم أمور الدين، يوم ذاك كانت مساجدنا عامرة بالإيمان تسودها السكينة والطمأنينة ويعمها الخشوع.في رحابها الإيمانية نشأنا وتعلمنا وتفقهنا، فوصلنا رحمنا، وألفنا جيراننا واحترمناولي أمرنا، وقدرنا جهد حكومتنا، وتواصينا بالخير والمعروف والكلمة الطيبة والخلق الحسن وعمت بها ومن خلالها الألفة والوئام أرجاء الوطن، حتى داهمتنا رياح تلك الصحوة الوافدة لتخطف من مساجدنا روحانيتها التي كانت تعبق في جنبات المكان ولترتفع الجلبة ويعم الصراخ وتتعالى نداءات التحريض والتأليب واستعداء المخالف من بني البشر أرجاء المكان فزلزل الناس زلزالاً شديداً، حتى أضحى الابن يكفر أباه، ويفسق أمه لأتفه الأمور، فانقسم المجتمع إلى طوائف وفرق وتشرذمت الوحدة إلى تيارات وطوائف ماعهدنا لها مثيلاً من قبل، حتى أضحينا تائهين مشدوهين لاندري من نصدق ولامع من نقف ، وضاع الحق وتوارت الحقيقة، وكل يدعي وصلاً بليلى. قائلاً اتبعوني فالحق معي، ومن خالفني ضال مضل مصيره جهنم وبئس المصير، فما يكاد يلتفت المصلي من تسليمته الثانية، وقد أدى فرضه حتى ينبري أحد موقدي تلك الفتنة يزعق وينعق ومكبرات الصوت تردد صدى وعيده وتهديده في كل مكان حتى صار منبر المسجد ميداناً للتنافس واستعراض ملكات الخطابة، وأصبح وسيلة للنجومية وطلب الشهرة والترقي والصعود في عيون الناس، فتسلق المنابر كل غر تستهويه المظاهر وتجذبه الأضواء، فكيف نسبح ومتى نستغفر الله، ومتى نتفرغ لشؤون معاشنا التي جعلها القوم أموراً دنيوية لاتستحق العناء، فزهد الناس في طلب معايشهم وانصرفوا لملاحقة الندوات والمحاضرات من منبر لآخر، وكل يشيد بنجمه وكل يمجد صاحبه، وياليتهم اقتصروا على المواعظ والأذكار ولم يعمدوا إلى التكفير والتحريض وشق عصا المسلمين وتشتيت أذهانهم وبلبلة أفكارهم بفتاوى فردية، ونصوص يتأولها كل حسب هواه ونزعته ورغباته، وتحقيق مطامحه وأغراضه الدفينة، وأفكاره الخبيثة يدسون السم في العسل ويخلطون الدين بالعادات والأعراف والأفكار المستوردة والتفسيرات الخاطئة المضللة حتى انحرفت المفاهيم والتبس الحق بالباطل والغث بالسمين، فغم على الناس التمييز بين هذا وذاك، وعرفوا القليل وأنكروا الكثير، ولكن من كان يجرؤ على المخالفة أو يتقدم للمعارضة ليجد نفسه وقد أخرجه القوم من دائرة الإسلام، وقد غدا كافراً مخالفاً في نظر الجميع، وهكذا تغلغل هذا الفكر في جل المؤسسات، وحظي أتباعه بأرفع المقامات، وقرب الموالي واستبعد المشكك، وما أن أطلت الفتنة برأسها حتى استوضحنا الحق وعلمنا ماكان يرمي إليه القوم، فبانت كل المخططات وظهرت كل الأغراض الدفينة والنوايا الحاقدة، وكم كانت صدمة البعض وفجيعته عظيمة، فوقعت عليه تلك الأحداث وقع الصاعقة بل الطامة الكبرى عندما اكتشف أنه كان مخدوعاً غرر به على مدى أعوام ضاعت من عمره وفقد خلالها أعظم مايملك عقلاً مغيباً مغررا به مستغفلاً لسنين يحسب السراب ماء، وماكان كذلك أبداً، فما كان إلا أوهاماً ضائعة ووعوداً خادعة لا أصل لها في الدين ولامكان لها في الحياة.ولات ساعة مندم، فلاينفع التحسر ولايغني الندم وهيهات هيهات أن نضلل باسم الإسلام بعد اليوم، وما نأسى إلا على ماضٍ نفتقده ونتحسر لأيامه ونبكي لياليه، ولكننا لن نيأس فها نحن نسعى لاسترداد إنسانيته وقيمه الجميلة يوم أن كنا مجتمعاً تسوده الألفة والوئام ويعمه الأمن والانسجام والصفاء، وياليت حكومتنا تعيننا على ذلك بوضع الضوابط الضرورية لتوجيه رسالة المسجد ومنبره وجهة إنسانية صحيحة لا شطط فيها ولاغلو ولا تصنيف ولا تكفير ولا تبديع ولا تفسيق، دعونا وربنا فهو خالقنا المتكفل بصلاحنا وهدايتنا إلى طرق الخير والرشاد، ولا تكلوا أمور عبادتنا إلى من لا يخاف الله فينا ولايرحمنا فيقوم بحرفها وتحويلها وتحويرها وتجييرها لتخدم أهدافه الحزبية الضيقة ومآربه الدنيوية القاصرة التي لاشأن لنا بها، إننا نعيش في مجتمع فطري نقي يصدق كل دعاية وينجذب لكل بريق مجتمع تميز بالبساطة والوضوح يسهل خداعه وتضليل أفكاره وحرفها عن وجهتها الصحيحة، ولقد نصب البعض أنفسهم أوصياء على أمورنا التعبدية ولم يكونوا أمناء البتة على سلامة فكر ناشئتنا، بل لقد حرصوا على ابتزازهم واستغلالهم أسوأ استغلال، وكل ذلك يتم تحت سمع وبصر مؤسساتنا الفكرية والأكاديمية التي اكتفت بدور المتفرج وكأن الأمر لايعنيها، فإذا هي لم تقم بدور الرقيب الواعي لتحصين المجتمع وإذا هي لم تعمل على حصانته وحمايته من كل فكر شاذ هدام فمن ياترى يتصدى لهذه المهمة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved