توازن القوى في النجف

باتت النجف نقطة الجذب الرئيسة في العراق، وهي ظلَّت كذلك طوال الأيام القليلة الماضية. ومثلما ازدادت أهميتها السياسية والإعلامية فقد تضاعف سكانها عدة مرات، مرة عندما هرع إليها الآلاف قبل أيام لمساندة مليشيات مقتدى الصدر في مواجهة القوات الأمريكية، وأمس عندما هبَّ عشرات الآلاف وتوجَّهوا إليها استجابةً لدعوة الشيخ السيستاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق.
هذه المدينة التي تسرع إليها خطا هذه الآلاف من الناس توجد داخلها قوى متحاربة تشمل بالإضافة إلى جيش المهدي القوات الأمريكية والعراقية، فيما اقتربت حالة المواجهة من نقطة الانفجار.
ويدور نشاط عسكري مكثَّف حول ضريح الإمام علي كرم الله وجهه، بينما تحيط الكتل البشرية بالمكان، ما يعني أننا أمام وضع خطير إذا انطلقت الرصاصات من المتحاربين، ويومها يمكن مشاهدة المجزرة التي يخشى الكثيرون من وقوعها.
غير أن هذه المجزرة، التي ينبغي تصعيد الجهود لتجنُّبها، إن وقعت فإن الكلمات لن تستطيع التعبير عنها، كما لا يمكن احتواء إفرازاتها، وقد تشكل تطوراً مفصلياً في كامل الشأن العراقي.
وفي العراق ما يكفي من مشاكل ومصاعب، ومن المهم الآن مواجهة هذه المسألة المتفجرة ما دامت لم تصل حتى الآن إلى نقطة اللاعودة، وإلاَّ فإن تطورها يجعل من الصعب تطويقها.
ومن المهم أن تسهم عودة السيستاني في التهدئة إذا تمكَّن من توجيه هذه الحشود الكبيرة من المدنيين وأولئك المسلحين الوجهة التي تجعل من اليسير إبطال مفعول الأزمة وإفراغ كل هذه الشحنات من مشاعر الغضب والعداء أو تحويلها لتصب في مشروع جديد للتسوية، أو ربما استخدام الضغط الجماهيري المتعاظم لفرض واقع يوازي ما يمكن أن تفرضه القوة المسلحة.
ومن المؤكد أننا إزاء استعراض للقوة المدنية يضاهي تلك العسكرية التي راهنت طوال الأيام الماضية على كسب معركة النجف اعتماداً على الآلة الحربية المتفوقة التي تحوزها.
وليس من مجال هنا لتوقع أحداث خارقة، بل المهم دائماً تفادي أي نزاع مسلح وسط هذا المحيط البشري، وهذا أمر يتطلب الكثير من التنازلات من كل الأطراف، وإلا فإن أي طرف يصر على الحصول على مكاسب دون الآخرين من ناحية الوجود العسكري سيفلح فقط في تعقيد الوضع.