Thursday 26th August,200411655العددالخميس 10 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

باختصار باختصار
علي بن مسلّم
نورة المسلّم

شهران مضيا على موت أبي. فقد ترجّل عن هذه الدنيا تاركاً أوجاعاً كثيرة بفقده، وأولها قلبي الذي لم يبرأ من لوعته، ومع أنني تسلحت بوصيته لنا وهي: ان نتمسك بالصبر، لكني وجدت هذا الصبر مراً ومريراً، وبدأت الآن استوعب ماذا تعني فجاجة الصبر بعد فقد من كانوا يشكّلون لك الحياة.
شهران مضيا كأنهما أعوام طويلة وقاحلة ومكفهرة في وجه الحاجة اليه والتي كان يرطبها دوماً بحنانه وعطفه وحكمته التي لم تنته حتى بعد وفاته.
قبل أن يتوفّى أبي، رحمه الله، كنت ولا أزال أحرص على أداء واجب العزاء في من أعرف ومن لا أعرف، كما كان يفعل هو، وقد كان شعوراً حارقاً يعصف بي كلما توجهت عيني إلى أفراد المتوفين خصوصاً، أجد انني وبتلقائية, أبحث عن بناته لأرى كيف هو الحزن بعد الأب.
كان شيء ما يوحي لي بتصور خاطف كيف سأكون بعد رحيل أبي، الذي كان حينها مريضاً، بل كيف سأواجه الحياة بعده؟ لقد ذهب أبي إلى ربه، باراً بوطنه، باراً بأمته وأهله ومحبيه وكل من كان يرتبط به بأي من عرى المودة والانسانية، تاركاً سيرة حسنه تحاصرني أينما ذهبت, فأجد صداه نقياً ونظيفاً ومتميزاً، كان يؤمن بأن من نِعَم الله على المرء ان يكف أذاه عن الناس، وان يفرّج كربهم ما استطاع ذلك، هذه الذكرى لم أجرؤ على تسميتها ذكرى، وهو حاضر ملء العين والسمع والفعل. أما القلب فقد كان يعتني به، من خلال حرصه على مشاعر الآخرين، ومداراتهم وهو من ملأ قلبي بأشياء لا تعوضني فيها الحياة بأكملها. هناك من الناس من يتأكد لك أنهم خُلقوا لغيرهم، وأن حياتهم بأكملها رسالة أداء مكتملة ومليئة بالقيم، وان نصيبهم من ذلك المد جزء يسير جداً، سعادتهم تكمن في إسعاد غيرهم.
كان أبي، أحد هؤلاء، أبي الذي احببته وتعلّقت به إلى حد ان أعيش جل تفاصيل حياتي معه الآن، رغم ادراكي لمعنى اليتم في هذا العمر، وان لا لقاء بعد اليوم ولا شيء يربطني به سوى الدعاء له والسير على خطاه، وهي غايته، كون اكثر رسائله الأثيرة لنا، هي الاعتناء بالآخرين والكف عن أذاهم والدفع بالتي هي أحسن.
لم يدعني في حياته، حتى بعد ان اخذتني اسرتي الصغيرة، بل كان يمدني بعطفه وبكثير مما يفعم الحياة بالعطاء النقي الذي لا منّة بعده.
أدرك تماماً انه ذهب دون ان اتمكن من وداعه، ولم استطع إلقاء نظرة اخيرة على محياه رأفة بحالي، وانه ذهب إلى الغياب حيث لا لقاء إلا في دار الحق.
كل شيء تلاشى أمام عيني، لم يبق لي سوى طفولتي وذكرياتي معه الخاصة جداً عندما تنضب منابر الحياة الصافية وتشعر باليتم هي الأخرى، بعد جفاف منبعها الصادق الاصيل.
وما الصبر من بعده سوى الدعاء لله سبحانه أن يثبتني ويجبر فقدي في مصيبتي، لا شيء مثل الأب، وليس كل الآباء سواء، ولكم أن تتخيلوا ماذا يعني أن ترتبط بشخص طوال حياتك وألا تنعتق من وشائجه القوية إلا عندما يأخذ الله أمانته، ولله ما أعطى وله ما أخذ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. رحمك الله يا أبي.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved