قاد الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله، عدة جولات في مسيرة البناء الاتحادي لكياننا السياسي، المملكة العربية السعودية في مراحل التأسيس، وكان من أركان النظام السياسي الذي اعتمد عليهم الملك القائد لملحمة التوحد والاتحاد.
ليس المجال هنا الخوض في مسارب ومسارات الحراك السياسي والعسكري التي شارك فيها خالد بن عبد العزيز فذلك قد بات في سجلات التاريخ الوطني، لكن المجال هو التنويه بالدور الريادي الذي كان له في قيادة فريق التفاوض مع القيادة السياسية اليمنية بقيادة الإمام يحيى حمد الدين رحمه الله، فقد شارك خالد بن عبد العزيز مع ثلة من أخيار الوطن أمثال عبد الوهاب أبو ملحة وفؤاد حمزة وتركي الماضي وغيرهم ووقع اتفاقية الطائف التي أوقفت الاقتتال بين الأشقاء، وانتهت منذ بضع سنوات باتفاقية جدة بين القيادتين السياسيتين السعودية واليمنية وأنهت كل أشكال التباينات والخلافات ولله الحمد.
عرفنا الملك خالد وهو ولي العهد ثم ملكاً، حيث هو غارق في مثالية التواضع وحماسة العمل المنتج، والسماحة واللطف والشدة والعزيمة الأشد في الخوف والخضوع في تقواه وتعبده.
ساس الملك بكياسة ووازن المصالح والعلاقات مع العالم.
الأمير فيصل نائب أمير منطقة عسير اليوم، كان يافعاً عندما تمت البيعة لأبيه ملكاً بعد اغتيال الملك فيصل رحمه الله، دخل معنا الجامعة - جامعة الرياض - ودرسنا في قسم التاريخ، زملاء قلة تلك الأيام - منذ - أكثر من ربع قرن.
أذكر منهم اللواء الدكتور إبراهيم عويض العتيبي، ثابت عبد الله آل زلفة القحطاني، زيد سعود العطوي نائب رئيس بلدية منطقة تبوك، داود حسين من البحرين، سطام بن سعود بن عبد العزيز، محمد بن عبد العزيز بن محمد، العميد الركن مظلي محمد بن عبد الرحمن الشهري، هذلول بن سعود بن عبد العزيز، يزيد بن سعود بن عبد العزيز.
كنا أسن من فيصل بن خالد قليلاً، وهو طالب مثالي في الهدوء، والسمت الحيي. لم يكن يبدي أي سلوك، انه ابن الملك.
وأذكر أن أستاذنا الجليل الدكتور عبد الله بن ناصر الوهيبي حفظه الله، قد انفعل علينا ذات مرة حينما دخلنا قاعة المحاضرات بعد دخوله وإغلاقه الباب، وقام بطردنا، مبدياً أن طالب الجامعة يختلف عن طالب المرحلة الثانوية، وانه لا يسمح لأي طالب بالدخول للقاعة بعد دخول أستاذ الجامعة، وبشقاوة الطلاب حاولنا ملاطفة الرجل، وتوبة يا أستاذ!! لكنه قام واقفل الباب، وطلب إلينا (انقلعوا) وبالفعل بقينا خارج القاعة نتهامس ونفكر في الطريقة التي نرضي بها الدكتور الوهيبي، ولأنه يضع الساعة من معصمه على الطاولة لكي يحسب زمن المحاضرة، فقد كنا ندرك أنه لا يمكن المراوغة بالاعتماد على توقيت ساعاتنا.
لكن زمن المحاضرة الأولى قد انقضى فطرقنا الباب وأستأذن سطام بن سعود أن زمن المحاضرة الأولى قد انتهى وأننا نريد أن نسبق الدكتور بالدخول، وافق الدكتور، أحسن الله إليه ودخلنا، لكنه وبّخنا ووعظنا تربية منه رعاه الله أن من يريد التعلم عليه أن يضع في حسبانه السلوك المنتظم والالتزام بأنظمة الجامعة، لأن طالب الجامعة قد دخل في طور جديد من المسؤولية والاعتماد على النفس، لكنه صب أكثر توجيهاته على الطالب فيصل ابن الملك خالد، وهدده انه سوف يبلغ والده إذا لم يحافظ على الالتزام، ومع أن الرجل لم يسبق له أي تأخر قبل هذا.. ولم ينبس فيصل بكلمة إلا قول: سم طال عمرك يا أستاذ، ويبدو أننا لم ندرك بعد أن مخاطبة أستاذ الجامعة ليست كما هو الحال كما كنا في الثانوية.. ويبدو أن أخي فيصل لم يحتمل قسوة أستاذنا الجليل، وربما خاف من أبيه الملك، فآثر الانسحاب ويبدو أنه قد استكمل دراسته خارج الوطن، لكنه مع هذا قد امتهن وظيفة مارس فيها دور عاشق ومحب، فأبدع في ممارسة الحب والعشق، حين امتلك من الصافنات الجياد رعية، طاول بها عدة سنوات ميادين الفروسية وجوائزها حتى بات من المحظوظين في تربية ورعاية الخيل وأصايلها. كان من أكثر الطلبة في دراسة التاريخ، ذلك الزمن من الأمراء، فلم يكن كثير من الأساتذة يعلمون أن من بين هؤلاء ابن الملك الحاكم، لما كان عليه من التواضع والهدوء، حتى إن أستاذاً من مصر كبيرة العرب غفر الله له، احتدَّ يوماً علينا لتقصيرنا في الاستعداد للامتحان الشهري، وصب جام عتابه، وكان الطالب فيصل هو الذي لم يبرر أو يرد على الأستاذ، فما كان من الأستاذ إلا أن قال: (الولد ده مؤدب جداً)، فقلنا له: هذا أبوه الملك خالد، دهش وقال: يا خبر أبيض، (ما قلتوليش ليه؟)، أما أستاذنا محمود الأمين رحمه الله من العراق الحبيب فقال: (عيني، اكو فرق بين الأمير طالباً في الجامعة، وأمير في بيته).
عندي أنا ما يهمني أن الطالب المجد هو المحك وليس غير ذلك، رحمه الله من أستاذ كان جباراً وقاسياً، لكنا استفدنا من علمه وصدقه، تقطعت بنا سبل العيش والحياة، لكنا ما برحنا ولو على البعد أحبة يذكر بعضنا بعضاً.
لقد تواصلت سبل موالاة التعلم، فارتقى بعضنا إلى درجات الدكتوراه، وفي الوظائف، وكان حظي أن ابتعثْتُ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويشاء الله أن ينتقل الملك خالد إلى رحمة الله، ولم تكن هناك فضائيات، ولم نعلم بالخبر إلا بعد يومين من خلال صحيفة الشرق الأوسط التي نشرت خبر وفاة الملك على الصفحة الأولى: ومات الملك الصالح. كان يوماً حزيناً عليَّ، كم من زملائنا وزميلاتنا، لقد كان الملك خالد أبوياً في سلوكه وتصرفاته وإدارته.
غفر الله له. ويشاء الله أن يكلف الأمير فيصل منذ بضعة أشهر بالعمل في منطقة عسير نائباً لأميرها خالد بن فيصل، وإذا تقادم عهد تواجد خالد في خدمة الوطن في هذا الجزء الجميل من وطننا الأجمل، فإن جدة وجود فيصل بن خالد قوة للقوادم، كلا الرجلين ابن ملك، لهما في ساحة الوطن قامة وهامة وعز وشهامة. وخبرة خالد مدرسة لفيصل، ساحتها التنافس في خدمة الوطن أرضاً وأناساً.
سعدت بلقاء الأمير، الصديق وزميل الدراسة الجامعية الأسبوع الماضي فوجدته، في غاية الشوق واللهفة للعمل، ورأيته ملازماً لأخيه الأكبر خالد متعلماً ومقتدياً، ثم ممارساً بفكره الإداري، العون في قيادة العمل المنتج في عسير.
لا شك أن العمل وثمار النتاج والمردود الأوفر هو هدف مستهدف بالتخطيط والتحليل والاستنباط والاستنتاج، ثم القرار.
وألمح جذوة فكر وقّاد في ذهنية الأمير فيصل في تطلعاته الطموحة للإفادة من خبرة من سبقه، والعمل بروح الفريق المتطلع إليه من شباب الوطن في عسير، سواء أكانوا موظفي دولة أو قطاع خاص أو مواطنين ذوي كفايات وكفاءة وهم بالله كثر، ولعل في مقبل الأيام من يسر، وتتهيأ الكوادر النشطة ذهنياً وبدنياً لكي تساند الأمير فيصل في مساره المهني على خطى رئيسه وأخيه خالد، سعدت باستقبال أخي الأمير فيصل لي الأسبوع الماضي في مكتبه، وسعادتي كانت أكبر أننا استعدنا من جميل ذكريات سنوات الدراسة والتحصيل ما أبهجنا.وقبل ذلك كنت حظياً بلقاء لسان الجنوب الحلو خالد الفيصل الذي أمطرني بكثير من التوجيه والتقدير، ولا أملك سوى الدعاء بالتوفيق لخالد بن فيصل وفيصل بن خالد، وأيما خطأ في سبق اسم أحدهما للآخر، ففي الخلود فيصل وللفيصل خلود وحب ووجود، وعلى المحبة هكذا كان الأمر من قبل ومن بعد.
|