Thursday 26th August,200411655العددالخميس 10 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

لستَ إنساناً في أعينهم ! لستَ إنساناً في أعينهم !
الجوهرة آل جِهجاه

بقدر ما يكونُ ابتعادكَ عن البشر، وعن الدخول معهم في حوارات عميقة تمسّ شيئا من آلامك أو أحلامك أو حتّى مشاريعك الحالية التي هي قيد التنفيذ بخفاء، تجد أشخاصا يجبرونكَ على أن يلتصقوا بكَ، ويُزاحموكَ على ما تُخبِّئ بحجة أنهم يحتاجون الأجر من الله تعالى فقط، ولأن فيهم كثيراً من الميزات التي حدّدتَها في ذهنكَ - مسبقا - لذوي الثقة من الناس مثل كبر العمر، عصر الحياة لهم، السمعة الجيدة، الخوف الظاهر من الله، وغيره من سمات لا يبدو لك إلا ظاهرها دون باطنها.
تُسلِمُ لهم في نهاية الأمر، وأنت تُحذّرهم من ثقل الأمانة، ومن أن هناك هموما وآمالا لا شريك للإنسان فيها سوى ربه الذي يرجو لطفه وتوفيقه، فتسمع عبارات الانتخاء بالنفس، لكنك تجد خطوطا تُشكّل نفسها تحت عبارات مدح الذات: (لو عرف الناس أننا نهتم بكِ لباركوا لكِ على ذلك)، (نحن كفيلون بكِ كابنةٍ لنا، والله الشهيد)، (نحن الجهابذة في هذا الشأن وما سوانا عديم)، (نحن... نحن... ونحن... والآخرون لا شيء)!! أحيانا تأخذك النية الحسنة، فتُفسّر الأمر على أنه إعجاب بالذات ونرجسية، لن تضر أو تُفيد إلا أصحابها، ولا شأن لكَ بذلك، إنما يعنيكَ فقط أن يُؤدوا ما تكفّلوا به لك، ما أنشبوا أصابعهم الحانية في حلقكَ كي يقوموا به لك ويُيسّروا أمره، فالذي يُريدونه هو الأجر فقط، وأنتَ لم تعد تملك أيّ رصيد من سوء النية أو الظن.
أوجاعكَ تكفيكَ وتشغلك عن أيّ شيء مُظلِم، بل تجعلكَ تُفكّر بسذاجة زائدة أحيانا، فتقوم في جوف السّحر تدعو لأهل الشهامة أولئك بالأجر العظيم، وتدعو لهم أن يُعينهم الله تعالى على الوفاء بحق الأمانة التي حملوها رغم أنكَ حذّرتَهم من ويلات ثقلها وعدم الوفاء بها.
تشعر أنكَ إنسان وسط أفراد إنسانيين آخرين، لا يهمّهم شيء من المظاهر أو المصالح، وتعيش في عالم سعيد سابح في الفرح الذي تجرّب انتظاره لأول مرة مذ طالت رحلة الفقْد، واليُتم، والخوف، والتعثّر، والوحدة، والوَجع، وتنشط لتُحفِّز مَن حولكَ على الأمل، على الأمل وحُسن النية في الآخرين. وتأتيكَ نيّتكَ الحسنة في أشخاصك المُنتخِين كأسوأ ما قُدّر لكَ من صدمة تُعلّمك أن موازين ثقات البشر ليست تلك التي حدّدتها فقط في رؤيتك القاصرة، وليست في الذين يملأون الدنيا صريخا بأنهم أحسن البشر وأكملهم وأرحمهم، فهؤلاء يرحمون الوجع والحزن فقط، ولا يرحمونكَ أنت، فيأبون إلا أن يوسّعوا مستعمراتهما في أكبر قدر ممكن من أرواح البشر المغلوبين على حسن نواياهم وتفسيراتهم لغايات الذين يلتصقون بقربهم.لقد اكتشفتَ أنكَ لستَ إنسانا أبدا في نظرهم، مجرّد ورقة مؤقتة رابحة، رأوكَ يافعا تُجاهد لتشقّ طريقكَ بحكمة الصغار، وعنفوانهم، وابتكارهم، فأرادوا أن تحملهم على رأسكَ بكلّ سهولة وبالمجّان؛ لكي يصلوا القمّة قبلك، ويركلوكَ عائدا إلى البداية من جديد وبِك بعض الجِراحات للذكرى! هل يُشعِركَ هذا باليأس أو بالحزن أو بالكآبة أو بالفشل في التعامل الواعي مع صنوف البشر؟ الحزن نعم، وهو يصل بكَ حدّ المرض، لكن اليأس، والكآبة، والفشل هي من نصيب أولئك الأشخاص وأمثالهم ممن تضيع حياتهم في هذا الطريق، طريق العنكبوت الذي يتسلق على أكتاف الآخرين، ولن تعدم أن ينتقم الله تعالى لكَ بالطريقة التي تشفي ذلك الحزن، وتؤكّد لك أن النية الحسنة منجاة لكَ دائما.
وإن كان قد قُدّر لك أن تشعر بالخيبة ذات مرّة، فإنك رابح دون أن ترى؛ إذ عرض لك موقف يكشف لك صنفا من البشر الخفيّ لم تكن لتعرفه، وتُضيف برمجة الوقاية منه لو لم يحدث لك ما حدث.
إنكَ - في النهاية - إنسان، في نظركَ على الأقل، وفي نظر مَن لم تَخِب ظنونكَ الحسنة فيهم بعدُ، وإنّكَ لن تنسى أن تُمطر سهامكَ الصادقة في جوف السحر:


حَبَوْتُ إِلَيْكَ وَهْنًا مِنْ دَمِيْ
وَكُنْتُ أَظُنُّكَ الَّلا يَجْرَحُ
سَحَبْتُ شِيَاهَ أَوْجَاعِيْ مَعِيْ
أَظُنُّكَ فَاهِمًا لاَ تَجْرَحُ
أَظُنُّكَ عَائِدًا مِنِّيْ وَلِيْ
بِتَخْلِيْقِيْ ذَوًى يَتَقَرَّحُ
فَلاَ تَمَّتْ لَكَ اْلأَفْرَاحُ، لاَ
وَلاَ قَامَتْ عَلَيْكَ نَوَائِحُ
وَلاَ حَنَّتْ جِرَاحِيْ رَحْمَةً
وَلاَ قُلْتُ: الشِّفَا لَكَ رَائِحُ
فَكَمْ قَهْرُ الْيَتِيْمَةِ مُنْعِشٌ!
فَرُحْ، لاَ غَافَلَتْكَ جَوَائِحُ!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved