ما أجمل المولود وما أحلاه، عالم جديد، مليء بالأسرار الجميلة، يغلو بنزوله للأرض فيرتفع بإعجازه، إنه خلق الله تعالى، سر عجيب، يحبه الخلق كلهم،
لا يتشابه اثنان، كل عالم بذاته، وكل كيان كامل، أعمق من البحار بمكنوناته، وأكبر من السماء بعجائب خلقه، إنه صنع الله تعالى، فتبارك الله أحسن الخالقين.المعرفة كنز إذا بحثت عنه وجدته فتنتفع به، كم استفدنا من أعماق المحيطات والبحار باللآلئ الثمينة، والأسماك الطبية، ومن أعماق الأرض أخذنا المعادن والبترول، كم بمعرفة المولود وأسراره وعاداته تجنب الأمراض والمخاطر بإذن الله تعالى، ألا ترى أن القواعد الصحيحة تحفظ البنيان من الانهيار، فأول الأمر أهمه، لأن ما بني على صواب بقي على الحق لا يزيغ عنه إلا جاهل.
المولود كذلك، فالعناية به منذ البداية بشكل صحيح تجعله ينمو ويترعرع، ويثمر ثمرة طيبة نافعة، فإذا كان الأصل ثابتاً فالثمار كثيرة، وما تلاعبت به الأهواء والأمراض أصبح معوجا مريضا ليس له قرار.
لنتعرف على مولودنا، فما استقام لنا تركناه ينمو برعاية الله تعالى، وما اعوج استعنا بالله تعالى، ثم بصالح أهله وهم الأطباء، فأول الأمر يفحصه طبيب المواليد ليطمئن على سلامة اعضائه والتأكد من خلوه من الأمراض - لا سمح الله - التي قد تطرأ للأم الحامل فإذا ما اطمأن الطبيب على سلامة جسمه وجب بعدها المتابعة لمعرفة ما يصلح له وما يضره فلكل خلق طبع، وما يصلح للبعض قد لا يصلح للآخرين.
ولنبدأ مستعينين بالله تعالى فأول ما يحتاجه المولود هو الهواء للتنفس، وغالب المواليد يصلح لهم هواء الدنيا، إلا ان بعضهم يحتاج من غاز الحياة وهو الاكسجين كمية أكبر ولفترة محدودة، فيوضع بالحضانة التي تؤمن له الدفء والاكسجين ومراقبة القلب والتنفس والضغط اضافة لبعض التحاليل الدموية، فإن سلمت الحالة وجب على الأهل والطبيب معا متابعة أمور أخرى، مثل الرضاعة وقد سبق الحديث عنها والتبول والتبرز وسآتي بما يهم الأسرة.
التبول هو خروج الماء الراشح من الكليتين وما يحمله من فضلات الجسم، لونه أقرب للماء، لأن كليتي المولود لا تستطيع تكثيف البول لحكمة أرادها الله تعالى، فيخرج الماء رائقا شفافا صفرته خفيفة عادة إلا أن البول يكون أكثر صفرة بعد اليوم الثاني للحياة وحتى بداية الاسبوع الثاني مترافقا بذلك مع اليرقان الغريزي.
يتبول المولود في الحياة الرحمية مرات كثيرة في اليوم الواحد ومن أبوالهم يتشكل السائل المحيط بهم، فيبتلعه الجنين ثانية الى معدته وامعائه، وتستمر عادة التبول بعد الولادة مرات كثيرة في اليوم الواحد وتقل مع تقدم العمر حيث تنمو عضلاته فيتمكن من حبس بوله مدة اطول لينقص عدد مرات التبول، ومعظم المواليد يتبولون خلال اربع وعشرين ساعة من الحياة فإذا تأخر التبول وجب مراجعة الطبيب بسرعة لينظر في الأمر، فالأسباب كثيرة فمنها: التجفاف الذي ينجم عادة عن قلة الارضاع، ونادرا ما يكون لعيب خلقي في الكليتين او المسالك البولية حتى المثانة وما بعدها، لأن احتباس البول أكثر من اربع وعشرين ساعة يستدعي المشاورة والمعالجة، ولله الحمد فمعظم المواليد يتبولون بعد الولادة إلا ما ندر.
وتزيد كمية البول عند المولود الطبيعي العمر والوزن في اليوم الأول على سبعين ملي لتر اي ما يعادل كأسا صغيرة، هذا اذا كان الإرضاع كافيا لا ينقص عن15ملي لتر كل ساعتين من الحليب او25 ملي لتر من الحليب كل ثلاث ساعات، وفي اليوم الثاني تزداد كمية الحليب حتى لا تقل عن 25 ملي لتر كل ساعتين، او35 ملي لتر كل ثلاث ساعات، فيزداد البول عنده في اليوم الثاني، ثم تزداد كمية الحليب يوما بعد يوم وتتناسب عادة معها كمية البول.
أما البراز الأول فيسمى العقي وهو مفرز الأمعاء الأول، يتألف من توسف بطانة الأمعاء والمخاط المفرز من الأمعاء اضف الى مفرزات الغدد الملحقة بالأمعاء، وما يبتلعه المولود في الرحم من بول كان تبوله او اشعار ساقطة من جسمه فتخرج كلها خلال اليومين الاولين للحياة، ولونه أخضر قاتم اقرب للسواد وبالتدريج تخف كثافته فيصبح مخضرا ثم مصفرا وهو ناتج هضم الحليب، والطبيعي ان يخرج العقي بعد الولادة وليس قبلها.
فإذا تأخرت الحامل بالحضور للمستشفى وتألم الجنين بفعل المخاض فإنه يتبرز العقي، وهو ضمن الرحم، ولهذا الأمر مخاطر شديدة على صحة الجنين ورئته، وقد تؤدي لنتائج لا تحمد عقباها.
ولله الحمد يتبرز معظم المواليد كاملي النمو (أبناء تسعة أشهر) خلال الاربع والعشرين ساعة بعد الولادة، وقد يتأخر التبرز عند الخدج (ناقصي العمر الرحمي) حتى ثماني واربعين ساعة بعد الولادة فإذا انقضى ذلك الوقت ولم يتبرز المولود وجب مراجعة طبيب المواليد للتأكد من سلامة جهازه الهضمي.. وهنا لابد من نصيحة، فعلى الأهل الا يستعملوا أية أدوية في حال عدم تبرز المولود وترك ذلك الأمر لطبيب المواليد حتى يتصرف وينظر في الأمر، وكما اتفقنا في البداية فإن درهم وقاية خير من قنطار علاج.كنز ثمين أقدمه لكل أم الا وهو اعطاء المولود ثدي الأم منذ البداية فتسلم العواقب في النهاية، ان حليب الام سر أتقن الله تعالى صنعه، فالمواليد الذين يرضعون من أثداء أمهاتهم لا يشكون من امساك، وهو سر حتى الآن لا تعرفه شركات صنع الحليب، وهم يحاولون جاهدين صنع حليب يقارب حليب الأم، ولا تزال أمامهم عقبات كبيرة ولا نبخس جهدهم ابدا حيث تطورت صناعة الحليب بشكل كبير وبقفزات رائعة ولكن الطريق أمامهم طويل، والأبحاث جارية لمعرفة السر الموجود في حليب الأم والذي يمنع الإمساك.أعود واقول: ان المولود عالم جديد مفعم بالمعرفة، ومعرفته تجنب الأخطاء فيسلم المولود ويسلم أهله، وليتعاون الأهل واطباء المواليد لتكون القاعدة سليمة، فيصبح البناء قويا متيناً، فيثمر ثمرة طيبة ينفع الله بها الأهل والناس، وأفضل ما يترك الإنسان من بعده الولد الصالح الذي يدعو له، والحمد لله رب العالمين.
( * ) طبيب المواليد بمستشفى الحمادي بالرياض |