سبحان من كتب على خلقه الفناء وتفرد وحده بالبقاء وجعل لكل أجل كتابا ولكل نفس حسابا تنال بعده ثوابا أوعقابا.
سبحان من جعل لكل حي نهاية ولكل إنسان غاية فقال جل ذكره: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
الموت قضاء نافذ وحتم لازم وحق واقع قدره الله عل كل حي ليكون أكبر عظة وعبرة وأبلغ درسا وحكمة..
قدره الله على كل حي ليلين القلوب القاسية ويذكر النفوس الغافلة.. فأي نفس لا تتعظ ولا تلين وهي ترى الناس يموتون ولا يقدرون على الموت ردا وينزل بهم هاذم اللذات ولا يستطيعون له دفعا.
والمؤمن مأجور بالصبر عند حلول المصائب فإن الله قد وعد الصابرين بأنه معهم يمدهم بعونه ويثبتهم قوته فمن صبر على مصيبته أو موت قريب أو عزيز عليه وقاوم الحزن والجزع بالتسليم والرضا بقضاء الله وأيقن أن الله هو الواهب والمانع منه الإيجاد وإليه المرجع والمعاد فإن الله قد وعده وبشره بعظيم الأجر وجزيل الثواب وتخفيف المصاب في قوله جل ذكره: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة 1425هـ طويت صحيفة حياة كانت مليئة بالهمم السامية والأعمال الفاضلة والآداب العالية هي حياة الشيخ صالح بن عبدالرحمن بن محمد الشثري المعروف بحبه وعطفه على الفقراء والمساكين اجتمعت فيه خصال حميدة يندر توافرها في غيره منها:
- متانة الدين والمحافظة على السنن والآداب وكل من عرفه وجالسه وحادثه عرف فيه هذا السمت الرفيع.
- صلته لأرحامه وسؤاله عنهم دائما وتفقد أحوالهم وإدخال السرور على المحتاج منهم والتواصل معهم بالهدايا والعطايا، وحرصه على اجتماعهم وتآلف قلوبهم على البر والتقوى.
- ولعه في حب الفقراء والمساكين والعطف عليهم والتصدق عليهم في خفاء وهذا أدب رفيع أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حين ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله فقال: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) فكان يحسن إلى اليتامى الذين فقدوا أحضان من كان يرعاهم ويكفيهم أمر عيشهم، ويطعم الضعفة العاجزين والفقراء والمحتاجين الذين قد لا يصلون إلى قوتهم بأيدهم.
وكان هذا ديدنه في حياته لأنه يعلم فضل الإحسان والإنفاق الذي أمر الله به في آيات كثيرة حيث قرن الله الإحسان بعبادته في قوله:
{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
فأقبل - رحمه الله - إلى بذل المعروف على وجه عام وأدخل السرور على قلوب حزينة لا تصل أيديهم إلى كسب القوت بسهولة وقد وجد في ذلك لذة ومتعة يتقرب بها إلى الله وهذه خصال حميدة وصفات كريمة يحبها الله ويعد المتصدقين بتعويض ما أنفقوا في الدنيا قبل الآخرة كما في قوله جل ذكره: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} فهذه الآية دلت على أن الصدقات من أسباب سعة الرزق، ويثني الله تعالى على المتصدقين من الناس فيذكر في خصالهم الحميدة رحمتهم بالفقراء وصرفهم جانبا من أموالهم في إغاثتهم فيقول جل ذكره: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
كان يشعر بحاجة الفقير فيصله بالإحسان دون أن يضطره إلى بذل ماء وجهه بالسؤال.
وقد قال معاوية لبعض جلسائه ما الجود؟ قال: التبرع بالمال والجود قبل السؤال.
وقال مروان بن أبي حفصة يرثي معن بن زائدة:
مضى من كان يحمل كل ثقل
ويسبق فضل نائله السؤالا |
ويقول الآخر:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه
فحلو وأما وجهه فجميلُ |
ومن أصدق الشواهد على عنايته بالفقراء ورقة عطفه عليهم والإحسان إليهم، أنه كان يواصل بالإحسان ولا يقطعه عن ذي الحاجة ولو كان بعيداً عنه.
والدليل على ذلك أنه قبل وفاته وبأقل من شهر سافر إلى مصر ليواصل مسيرة الإحسان والصدقة، وكان هدفه من الزيارة تفقد بعض من يعرفهم من الفقراء ليقف بنفسه على حاجتهم وسد فاقتهم ليطعم مسكينا ذا متربة أو يتيماً لا عائل له، ولكن الله قدر عليه وهو في مصر مرضا أقعده عن الحركة فجيء به إلى الرياض ولم يلبث إلا أياما معدودات ثم توفاه الله فكانت نهايته مشرفة وخاتمته حسنة غفر الله له ورفع درجته في الصالحين.
وقد أطلت في هذه الخصلة التي امتاز بها لأن الله قد منحه نفساً عريقة الإحسان محبة لفعل الخير وبذل المعروف.
وبوفاته فقد الذين كان يرعاهم من الفقراء بابا فتحه الله عليهم وذهب عنهم الأمل في سد حاجتهم ولكن الله سيجعل في ذريته من يخلفه في هذا العمل الجليل.
وما امتاز به الفقيد سماحة النفس والبراءة من التصنع والرياء وحرصه على الإخلاص والعمل في الخفاء وقلة الكلام إلا فيما ينفع ويفيد وكل من جالسه عرف فيه الوقار والأدب واللخق الحميد..
حقاً إن وفاته فاجعة قطعت الأكباد حزناً وأخذت العقول ذهولاً بكى عليه أهله ومحبوه ومما يخفف المصاب أنه قد شهد له بالخير والصلاح وعطفه على الفقراء بالصدقة والإحسان فقد شيعت جنازته في مشهد عظيم وهذا من علامات الخير والفلاح للميت ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الجنة فقلنا وثلاثة قال: وثلاثة، فقلنا: واثنان قال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد).
رحم الله الشيخ صالح وغفر له وأفاض عليه من نوره ورحمته وجزاه خيراً على ما بذل في سبيل الخير لإخوانه المسلمين.
|