تورد كثير من الأنظمة الإدارية (الولاء للوطن) كأحد الواجبات الملقاة على عاتق الموظف أو العامل، وذلك إلى جانب الواجبات الوظيفية المطلوب من الموظف أو العامل الالتزام بها كقيامه بأداء عمله بالدقة والأمانة والإخلاص.
وهذه الأنظمة في تصنيفها الولاء للوطن كأحد الواجبات الوظيفية محقة من دون شك في هذا التوجه فالولاء للوطن هو لب العمل الحكومي أو العمل الأهلي وذلك لأن الهدف من العمل في القطاع الحكومي هو إما تقديم الخدمة العامة للمواطنين عن طريق الأجهزة الخدمية كالتعليم والصحة والعدل والأمن والنقل والضمان الاجتماعي ونحو ذلك أو العمل من أجل تقدم الوطن في مختلف المجالات وحمايته والدفاع عنه وذلك عن طريق الأجهزة المختصة بإعداد الخطط والدراسات والبحوث والدفاع. أما الهدف من العمل في مؤسسات القطاع الأهلي فهو وإن كان يتركز في تحقيق الربح المادي إلا أنه يساهم في دعم الاقتصاد الوطني.وكلا الأمرين سواء العمل في القطاع الحكومي أو العمل في القطاع الأهلي وإن اختلفت أهدافهما فإن هذه الأهداف لن تتحقق إلا بوجود بيئة مستقرة ووطن آمن متقدم ومن ذلك تأتي أهمية واجب الولاء للوطن والذي لا يقتصر على الموظف أو العامل أو العسكري فقط، بل إنه يشمل سائر المواطنين كلاً حسب تخصصه ووظيفته ومهنته, فالوطن مسؤولية الجميع في أي دولة من الدول ومن ذلك بلادنا، فأجدادنا بقيادة المغفور له إن شاء الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود جاهدوا من أجل تحقيق وحدة هذا الوطن تحت راية الإسلام بعد أن كان أجزاء متفرقة ومتنافرة يسودها الفوضى والجهل والفقر والمرض وعدم الاستقرار الاجتماعي والأمني، وقد تحقق لهم بإذن الله ما كانوا يهدفون إليه من إقامة وطن مستقر تحمى فيه الأرواح والأعراض والأموال وتقام فيه الشعائر الدينية الإسلامية بحرية وأمن، وبعد أن آلت المسؤولية إلى أبناء الملك عبدالعزيز البررة عملوا بكل طاقاتهم من أجل بناء هذا الوطن وتقدمه ورفاهية مواطنيه إلى أن بلغت بلادنا شأواً من التقدم والمدنية يضاهي كثيراً من الدول المتقدمة, فنحن إذاً نعيش في وطن متكامل مستقر وآمن ومسؤوليتنا جميعاً هي الولاء لهذا الوطن، خاصة في مثل هذه الظروف التي يستهدف فيها وطننا بالادعاءات الباطلة وأعمال التخريب التي تستند للأفكار المنحرفة.
والولاء للوطن يشمل أموراً كثيرة وجوانب متعددة منها:
* إخلاص كل مواطن في عمله سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي لأن الإخلاص في العمل يؤدي إلى النجاح فيه وبالتالي تعود فائدة ذلك للوطن.
* التآلف والتآخي بين سائر المواطنين واستشعار أن كل واحد منهم مكمل للآخر في سبيل خدمة الوطن واستمرار تقدمه بالإضافة إلى نبذ كل ما يدعو إلى التفرقة بينهم من مسببات وادعاءات عفا عليها الزمن.
* التعاون مع أجهزة الدولة ومرافقها وذلك في سبيل قيام هذه الأجهزة والمرافق بتقديم خدماتها على الوجه المطلوب وذلك عن طريق إبداء الرأي السديد أو المشاركة في تلك الخدمة إن تطلب الأمر ذلك.
* عدم التجاوب مع أعداء الوحدة الوطنية ودعاة الفتنة والتفرقة والادعاءات الكاذبة والتصدي لهم بتنفيذ ادعاءاتهم وأكاذيبهم.
* المحافظة على ممتلكات الدولة وعدم الإضرار بمنشآتها ومرافقها ومؤسساتها.
* عدم التعاون مع أي دولة معادية للمملكة.
* السمع والطاعة لمن هم رمز بلادنا وولاة أمرنا والذين ولاهم الله مسؤولية بلادنا.
فبلادنا الغالية (المملكة العربية السعودية) تلك الأمة التي توحدت بعد الفرقة وعملت وأنجزت بعد التفاني والإخلاص بإذن الله صرحاً شامخاً في عالم الاستقرار والأمن والخير والإنسانية ولن يضرها إن شاء الله ما تتعرض له بين الفترة والأخرى من حقد الحاقدين وحسد الحاسدين وتنكر الجاحدين.
لقد نعم مواطنو بلادنا منذ التأسيس على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بالتآخي والتآلف والعدالة والمساواة هي السائدة من طرف قيادة هذا الوطن الغالي لأبنائه، وخطط العمل والتنمية لم تستثن أحداً دون أحد أو منطقة دون أخرى، وما أنجز من هذه الخطط جعل بلادنا تقف في مصاف الدول المتقدمة، فالمدارس بلغت الآلاف والجامعات تزيد على العشر، والمطارات العملاقة أمر مشاهد ومحسوس، والموانئ الكبيرة لا تخفى على أحد، والطرق الطويلة والحديثة منتشرة في سائر البلاد الواسعة الأطراف، وشبكة الاتصالات حديثة ومتطورة، والرعاية الصحية متوفرة في كل مدينة وقرية، ومستوى الدخل يضاهي الكثير من مستوى الدخل في كثير من دول العالم.
إذاً ولأن كل ذي نعمة محسود تواجه بلادنا الهجمات من البعيد والقريب إما غيرة من وحدتنا وتآلفنا ومما وصلنا إليه من مدنية وتقدم أو للمواقف المشرفة التي اتخذتها بلادنا من القضايا المصيرية للعرب والمسلمين وذلك لأنهم يدركون ثقل المملكة ومكانتها، وإن موقفها لو كان لا سمح الله سلبياً من هذه القضايا فإن يمكنهم تحقق أهدافهم وتجاوز واختراق الآخرين.نعم قد تكون هناك أخطاء في التطبيق وكل مجتمع لا يخلو من الأخطاء والذي لا يخطئ لا يعمل، كما يقال، ولكن الأخطاء تستمر أخطاء عندما يتم تجاهلها أو معالجتها بأسلوب غير حضاري ولذلك فإن قيادتنا دائماً لا تنكر الأخطاء, بل هي تطالب كل من لديه رأي سديد أن يتقدم به بالوسائل الحضارية وليس بالصلف أو العنف لأن العنف لا يعالج الأخطاء، بل يضاعفها ويعقدها ويترتب عليه أضرار جسيمة وكبيرة بالوطن والمواطن سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو المعنوية، وتبلغ هذه الأخطاء والعنف درجة السوء عندما يأتي من بعض أبناء الوطن لكونه نشازاً يخالف مبادئ الوطنية والأصالة وتعاليم الدين الحنيف وبالذات عندما يتم العنف في الظلام ومن غير أهداف واقعية أو واضحة، فاستهداف الآمنين والمدنيين والعزل بشكل مباغت بالأذى أو القتل ليس من الإسلام في شيء حتى ولو كان أولئك المستهدفون من الأجانب غير المسلمين لكونه يحمل نوعاً من الغدر ونقض العهود، فديننا الحنيف حفظ لأهل الذمة حقوقهم وإنسانيتهم ما داموا مسالمين ولم يبدر منهم أذى على الأمة والمسلمين، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في هذا الصدد فكان يحث على حماية الذميين ومن ذلك قوله المشهور: (من قتل معاهداً لم يجد رائحة الجنة)، وقد عاش اليهود مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة بعد هجرته إليها في أمن واستقرار وكان يخالطهم ويتعامل معهم ولم يتغير من ذلك شيء إلا عندما تنكر اليهود لهذا الجميل وبدءوا يتآمرون على الإسلام والمسلمين إلى درجة أنهم قدموا السم للرسول عليه الصلاة والسلام وقد قيل بأن وفاته كانت بتأثير ذلك السم الذي قدم له من قبلهم، كما أن النصارى عاشوا مع المسلمين في مختلف مراحل تاريخهم وبالذات في الدول العباسية وفي العصر الحاضر وقد تولى البعض منهم المناصب الرفيعة في الدولة الإسلامية وكل ذلك دليل على سماحة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان وعدم قيامه بإكراه أحد من غير المسلمين على الدخول فيه (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وهو ما يعني تبني هذا الدين لمبدأ حرية العقيدة، فالإسلام لا يرغب من أحد في أن يؤمن به أو يتبعه إلا عن قناعة وتسليم وذلك حتى تكون الحجة واضحة إما له أو عليه يوم العرض والحساب، الأمر الذي يتطلب من المسلمين في العصر الحاضر عدم اتخاذ العنف والقتل والإكراه كوسائل أو طرق للدعوة للدخول في الإسلام خاصة عندما يكون من توجه لهم هذه الأساليب مسالمين ومتعاونين مع المسلمين ولم يبدر منهم أذى علينا أو إنكار لديننا, بل إن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمرنا الله، عزّ وجلّ تبقى هي الوسيلة الصحيحة والمناسبة, وبالذات وأن المسلمين في العصر الحاضر لا يملكون مقومات القوة المعاصرة التي تتوفر لدى غيرهم.
إن يد الله مع الجماعة ولقد أثبتت الأحداث التي حصلت في بلادنا مؤخراً إجماع المواطنين على استنكار ما حصل لكونه يمس بالأذى ديننا وبلادنا ومكتسباتنا وسمعتنا, وتأييدهم وتكاتفهم مع قيادتهم الرشيدة فمزيداً من هذه الوطنية المخلصة ومزيداً من التكاتف والتعاون مع أجهزة الدولة لما فيه خير بلادنا وأمنها واستقرارها واستمرارها في مسيرة التقدم والتحديث، إذ أنه من المستغرب أن تلك الأحداث التي وقعت في بلادنا وتلك الهجمات الإعلامية التي توجه ضدنا إنما بدأت مع بداية دخول بلادنا مرحلة جديدة من الإصلاح والتجديد فهل المطلوب إيقاف عجلة ذلك.
إن بلادنا ستبقى إن شاء الله عزيزة وآمنة ومستقرة بكرم المولى سبحانه وتعالى ثم بفضل العمل المتواصل من قيادتها وإخلاص وتعاون مواطنيها، وذلك لأننا مسلمون موحدون وبلادنا تأتي في قمة الدول الإسلامية لكونها مقر الحرمين الشريفين ومثوى سيد الأولين والآخرين، دستورها القرآن الكريم وسنّة رسول الله ژ كما جاء في نظامها الأساسي، وليست بلادنا في حاجة إلى من يزايد عليها في ذلك، إلا إذا كان المقصود عزلها عن العالم والرجوع بها للوراء فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق.
|