أفراح العراق

توحدت كل أطياف العراق فرحة مزهوة عندما انتصر فريقه لكرة القدم، ومن المؤكد أن هناك الكثير مما يوحد العراقيين لكنهم في غمرة الأحداث العاصفة لم يتمكنوا من تبين أنهم رغم كل شيء يمكن أن يلتقوا معاً في صورة زاهية معبّرة عن وحدة قوية وراسخة، وعندما يتحقق ذلك يأمن العراق من كل الشرور المحدقة به حالياً، وسيقف العالم احتراماً له ويمنحه أرفع (الميداليات) في مجال الأداء الإنساني والسياسي الرفيع.
الانتصارات العراقية في دورة أثينا الأولمبية نبهت إلى أهمية الالتفات لمثل هذا الزخم الوطني الجارف الذي ظهر مساء السبت عندما خرجت المدن العراقية في وحدة شاملة تحتفي بتلك الانتصارات رافعة علم البلاد في بلدٍ تكرست صورته كموطن للمآسي والخسائر طوال عقود.
إذن لا بد من القول إن العراقيين يمكن أن يخرجوا بذات الصورة وربما بما أكثر من ذلك لإعادة بناء بلادهم والتوافق على الخروج من المأزق الحالي في النجف وغيرها وان السبيل إلى ذلك هو ببساطة التوحد والتوافق على الأولويات المتمثلة بصورة واضحة في إنقاذ البلاد.
إن وجود القوات الأجنبية يمكن أن يعرقل الكثير باعتبار أن هناك أجندة خاصة بالأجنبي تختلف عما يدور في أذهان العراقيين، لكن أهل العراق يمكن أن يكونوا في غاية الإقناع إذا هم حققوا ذلك التوافق المطلوب الذي لا يتيح منفذاً للآخر لكي يتسلل بينهم.
وعندما يجد الأجنبي انه أمام شعب متناغم ومتوافق ومتحد فلا سبيل إلى بقائه خصوصاً إذا سقطت حجته القائلة إن هذا الوجود ضروري لمنع تطور التناقض بين الجماعات إلى صراعات مهلكة.
بالطبع لا يمكن القطع بزوال كل التناقضات والاختلافات، فهذا من طبيعة الأشياء ومن حقائق المجتمعات، فهناك دائماً وجهات نظر مختلفة حتى في الأسرة الواحدة، لكن هناك ثوابت لا يمكن القفز فوقها وهي غالباً تشكل محوراً لالتقاء مختلف التناقضات مثل ذلك الخروج الجماعي والتعبير عن الفرح عندما انتصر العراق في أثينا.
لكن الفرح سيكون طاغياً عندما يخرج العراق من كبوته الحالية حراً كريماً معافى متوافقاً بين أبنائه.
ويجب أن تكون الثوابت من الوضوح بحيث يسهل التوحد حولها، كما ينبغي التذكير بها كل حين وآخر حتى لا تطغى عليها الخلافات الصغيرة التي تظهر هنا وهناك وتكبر مع مرور الوقت بحيث يصعب تجاوزها، وبحيث تصبح هي القاعدة وما عداها، أي الثوابت الوطنية، هي العابرة.
ومن المهم دائماً استغلال مثل هذه المناسبات السعيدة للتعبير عن التواصل والود والتوافق وهي أمور من الصعب تبادلها وسط دخان المعارك والاشلاء البشرية والدماء المتناثرة صباح مساء على طرقات بغداد والنجف ومدن الشمال والوسط وكل أنحاء هذا البلد الشقيق الغني بكل إيجابيات الالتقاء الإنساني النبيل والمحروم منها في ذات الوقت بسبب هذه المعارك الصغيرة والكبيرة والأحقاد والضغائن.
وأخيراً فليس العراق بحاجة إلى درسٍ من أحد، فقط هو في حاجة للتذكير بأنه مثلما كان معلماً للحضارات البشرية الراقية في يومٍ من الأيام فإنه مؤهل الآن لكي يقدم درساً آخر في الوحدة ضد الأخطار المتربصة به..