Monday 23rd August,200411652العددالأثنين 7 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
ثلاث خصال
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

روى البخاري في صحيحه عن عمار بن ياسر - رضي اله عنهما - الحديث التالي:
(ثلاثٌ مَنْ جمعهنَّ فقد جمعَ الإيمانَ: الإنصافُ من النفسِ، وبذلُ السلامِ للعالمِ، والإنفاقُ من الإقتارِ).
أورد هذا الحديث ابن القيم في زاد المعاد، وقال: تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه.
ووقفتُ أتأمل كل جملة من جمل الحديث، وكل خصلة من الخصال الثلاث الواردة فيه، ثم أتأمل قول ابن القيم عنه، فوجدت من المعاني ذات العمق ما يؤكد وصف ابن القيم - رحمه الله - حين قال: تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه.
الإنصاف من النفس: إنَّ مَنْ ينصف ربه عزَّ وجلَّ من نفسه جدير بأن يرعى حقوقه كلها، وأن يتجه إليه بقلبه كله، وأن يجعل حياته ومماته وكل أعماله وأقواله خالصة لله رب العالمين، وألا ينصرف عن عبادة ربه وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، والتوبة إليه حين الوقوع في معصية، أو الإلمام بذنب، والاتكال عليه في كل صغيرة وكبيرة، وترطيب اللسان بذكره آناء الليل وأطراف النهار، وتلاوة كتابه الكريم تلاوة تأمل وتدبر وعبادة، وتوجيه الدعاء إليه في كل شأن من شؤون الحياة الدنيا والآخرة.
إنَّ مَنْ ينصف ربه من نفسه لا يضيق بأوامره وأحكام شرعه، ولا يجد في نفسه حرجاً من أحكامه وقضائه وقَدَره، بل يقابل ذلك كله بالرضا والصبر والاطمئنان، ويحتسب الأجر عند ربه الذي لا يضيع أجر مَنْ أحسن عملاً.
هذا جانب من الإنصاف من النفس، والجانب الآخر هو إنصاف الناس من النفس؛ فالإنسان المنصف للناس من نفسه يرعى حقوقهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه، ولا يحملهم فوق وسعهم، ولا يَفْجُر في خصومته، ولا يغدر بهم، ولا يغتابهم ويسعى بالنميمة بينهم، ولا يستخدم الجور والعنف معهم، ولا يدَّخر النصيحة لهم، ولا يتردد عن مد يد العون إليهم حين الحاجة إلى العون، ويُحسن التعامل معهم، ويخالطهم صابراً على أذاهم محتسباً ذلك عند ربه الذي يعلم السر وما هو أخفى من السر.
الإنسان الذي ينصف الناس من نفسه لا يرضى بأن يستأثر بالمصالح دونهم؛ لأنه لا يرضى بأن يستأثروا هم بالمصالح دونه، ولا يؤذيهم بفعله وقوله إيذاءً يخرجه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانِهِ ويدِهِ).
وهنالك جانب من جوانب الإنصاف من النفس، ألا وهو: إنصاف الإنسان نفسه من نفسه، فيعرف مالها وما عليها، ويعرف الحكمة من خلقها، ولا يطيعها في معصية ربه، أو في الإساءة إلى أحد من الناس، ويكبح جماحها عن الظلم والاعتداء، وإهدار الحقوق، وإساءة الظن، وقصد السوء, ويملأ جوانبها بالحب والوفاء، والصبر، وحسن التعامل، وبذل البِشر والابتسامة للناس، وغير ذلك من المعاني التي لا تكاد تُحصى.
أما السلام على العالم، فما أجملها من عبارة! وما أعظمها من صفة! إنها تعني أن ننثر عطر السلام على كل مَنْ نلقاه صغيراً كان أم كبيراً, غنياً كان أم فقيراً.
وفي هذا من معاني الخير ونشره ما لا يخفى على متأمل، وهو موافق لمعنى الحديث الآخر: (إنَّ أفضلَ الإسلامِ وخيرَهُ إطعامُ الطعامِ، وأن تقرأَ السلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لم تَعْرِفْ)، وصلى الله وسلم على مَنْ أرشدنا إلى هذا.
أما الإنفاق من الإقتار، فحسبك بها من صفة فيها العطاء والكرم والسخاء، وفيها معنى الإطعام والإكرام، كما أن فيها دلالة على صدق التوكل على الله عزَّ وجلَّ، وحسن الظن به؛ فهو الذي يخلف على المنفق، ويمنحه من فضله العميم.
ثلاثُ خصالٍ ما أروَعَها وما أحْوَجَنَا جميعاً إليها!!
إشارةٌ:


رُبَّ حَرْفٍ يَفِي بِمَعْنَى كِتَابٍ
وَصَغِيرٍ يَغَارُ مِنْهُ الْكَبِيرُ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved