عملية توثيق التاريخ الوطني تحتاج إلى جهود منوعة وشاملة في مختلف المجالات ليكتسب هذا التوثيق القوة القادرة على تحقيق أقصى درجات الثقة به وبمحتواه، ومن أهم الأسس التي تجب مراعاتها في هذا الشأن، ولعله أهم الأسس على الإطلاق: تنويع مصادر التوثيق، بحيث تتناول كل ما يمكن أن يولد الثقة بهذا التاريخ، وبكل ما يستطيع أن يضفي عليه رونقاً وبهاء يجذب إليه الأنظار.
واقتناء الصور الفوتغرافية من أهم مصادر التوثيق وأكثرها قوة، لأنها عملية تسجيل للوضع الراهن وقت التقاط الصورة، والصورة أمينة في التقاط الحدث كما هو في الطبيعة دون تزوير أو مبالغة، يضاف إلى ذلك أن الصور تسجل لحظات محددة من الزمن، والزمن لا يتوقف، وبالتالي فإن ما تسجله الكاميرا يظل هو الشاهد الوحيد والموثوق لتلك اللحظات، كما أن التقاط الكاميرا للصورة لا يتوقف عند الصورة الشخصية، بل إن دلالاتها تمتد إلى ما وراء الصورة مثل الأماكن التاريخية والجغرافية ونوعية الملابس وبعض مظاهر العادات الاجتماعية والأدوات المستخدمة في الحياة العامة التي تظهر غالباً في الصور.
ومن هنا تبرز أهمية مشروع الإرشيف الوطني للصور التاريخية للمملكة العربية السعودية الذي أقامته مكتبة الملك فهد الوطنية، وبذلت لأجله جهوداً كبيرة في بناء مادته من مصادر ومواقع شتى، وفي تنظيم هذه المادة وحفظها وفق الأسس العلمية لكي تتم عملية التوثيق بثقة وأمانة، وأيضاً لتسهل عملية رجوع الباحثين إليها عند تناول بحوثهم للتاريخ الوطني في شتى أطواره وأعلامه ووقائعه، ولتسهيل عمل الجهات الحكومية التعريفية بالتاريخ الوطني ولا سيما في مجال تنظيم المعارض المحلية والدولية وخدمة مؤلفي الكتب العلمية والتوثيقية.
فهذا المشروع ذو أهمية كبرى في التاريخ الوطني ليس بالنسبة للمؤرخين والباحثين المحليين، وإنما لغيرهم في المراكز العلمية المختلفة في أنحاء العالم نتيجة المركز المهم الذي تتبوأه المملكة العربية السعودية سياسياً واقتصادياً في خارطة العالم الحديث، وبالرغم من هذه الأهمية أود أن أسجل هنا ملحوظتين مهمتين - في رأيي على الأقل - من المؤمل أن يسعى المسيرون لمكتبة الملك فهد الوطنية والقائمون على مركز معلومات المملكة فيها بالنظر فيها بجدية كي يحقق المشروع الأهداف المرومة منه، ولتتحقق للباحثين الاستفادة التامة منه.
هاتان الملحوظتان إحداهما تتعلق بالجانب الفني للمشروع، والثانية تتعلق بالجانب الخدمي والتسويقي.
أما أولى هاتان الملحوظتان وهي المتعلقة بالجانب الفني للمشروع، فإنه من الملحوظ في بعض صور المشروع، وهذا البعض ليس بالقليل عدم الوضوح، ونعلم أنه من المعتاد أن تكون الصور القديمة ذات جودة أقل بالنظر إلى أن غالب من نفذوها لا يتقنون الجانب الفني لالتقاط الصورة من حيث نوعية الكاميرا ودرجة الزوم، ووضع العدسة بالنسبة للصورة الملتقطة قرباً أو بعداً ومراعاة تدفق الضوء والاهتزاز وغير ذلك من الجوانب الفنية المتعارف عليها.
لكن المراكز العلمية المتخصصة تحاول أن تتغلب على هذه الأدواء بالمتاحات التقنية التي أصبحت في متناول المراكز المتخصصة في مجال التصوير، بل وحتى في مراكز التصوير التجارية الكبيرة حيث توجد أجهزة تتولى تنقية الصورة وتوضيح ملامحها بدرجة كبيرة جدا، وفي أماكن تصوير مشهورة لا تبعد عن مكتبة الملك فهد الوطنية بأكثر من مئات الأمتار فقط؟
كما أن عملية تنسيق الصور في الحاسب الآلي تحتاج إلى جهد أكبر ليتم تقسيمها بحسب الموضوعات، وبحسب الأعلام كما هو معمول به في فهارس الكتب لتتم عملية الرجوع لها بيسر وسهولة خلاف ما هو معمول به الآن في المركز حيث تتشتت الصور في أماكن متعددة من برنامج الحاسب الآلي الخاص بالإرشيف الوطني للصور التاريخية.
أما الملحوظة الثانية المتعلقة بالخدمة والتسويق، فإن الملحوظ ارتفاع كلفة الصور بالنظر إلى أن وظيفة المركز علمية وتوثيقية بالدرجة الأولى، وليست تجارية، وأنا لا أتكلم من فراغ، ولكني أتحدث من تجربة، فقد طلبت عدداً من الصور التاريخية، ففجعت بأن المركز لا يمكن أن يعطيني أكثر من ثلاثين صورة وبأن سعر الصورة خمسة ريالات عدا قيمة الCD-ROOM ومقابل عملية النسخ بالCD-RW.
أي أن كلفة الCD-ROOM الواحد وصلت قرابة المائتي ريال، وللمعلومية فهذا الCD-ROOM ليست فيه قيمة احترافية فهو مجرد عملية نسخ COPY، ولا يكتب فيه حتى عنوان الصور أو نوعها أو أسماءها أو أية معلومات عنها، بل إن الCD-ROOM يسلم للباحث بدون لاصق لكتابة عنوانه عليه، والعجيب أن مثل هذا الCD-ROOM يباع في المحلات الملاصقة للمكتبة بخمسة ريالات فقط لا غير، وعليه لاصق وغلاف مليء بالبرامج الحاسوبية المنوعة، فهل هذا مما يسهم في خدمة تاريخنا الوطني؟ أم أن أسعار التوجه التجاري بحجة ضرورة الدافع الاقتصادي طغى حتى على الأهداف النبيلة، ومنها خدمة تاريخنا الوطني؟
إن مما يؤلمني أكثر وأكبر أن وعي غير المسلمين بالجهود العلمية أعمق كثيراً، وأمامي الآن مثال واضح، فثلاثون صورة من الإرشيف الوطني لتاريخ المملكة العربية السعودية، كلفتني قرابة مائتي ريال، وجئت لاستلامها فتقدمت بطلب وأحيل وانتظرت أربعة أيام لتجهيز الصور لأعود مرة أخرى لاستلامها، في حين استطعت الحصول على ثلاثين صورة وعدد من الوثائق من قسم وليام ردي لمجموعات البحث والإرشيف بجامعة مكماستر في هاملتون بكندا عن طريق الهاتف ودون حضوري، وأرسلت لي الصور والوثائق قبل دفع القيمة ومعها فاتورة بالمطلوب دفعه، ومصدر الألم حقاً أن فاتورة جامعة مكماستر بلغت 14 دولاراً بما فيها أجور البريد في حين بلغت فاتورة مكتبة الملك فهد قرابة مائتي ريال مع إلزامي بالحضور لأخذها وتحديد عدد الصور واختلاف طريقة الدفع في الحالتين لصالح الخارج على الداخل، والأدهى والأمر أن الوثائق التي طلبتها من جامعة مكماستر وثائق وطنية وليست موجودة في إرشيفنا الوطني؟؟ وسلامتكم؟؟
ص.ب 30242 الرياض 11477 |