مشاهدات سجلها:
عبدالعزيز إبراهيم الأحيدب
كان عندي عزم على القيام برحلة إلى اليمن السعيد لذا اتكلت على الله وقمت بهذه الرحلة التي كانت بدايتها في ضحى يوم الخميس الموافق 5-6-1425هـ من مدينة الرياض الى مدينة صنعاء عبر الخطوط السعودية ومدة الرحلة الجوية كانت ساعتين إلا ربعاً، ومن المطار الى فندق الشام في داخل صنعا الواقع على شارع تعز، وكان ذكره صديق لي وكان الوقت عصرا والفندق لا بأس فيه.
وفي صباح يوم السبت الموافق 7-6-1425هـ خرجت من مدينة صنعاء متجهاً الى مدينة (إب) وأثناء الطريق أخذت أدون اسماء الأماكن التي أمر بها في هذا الطريق الى إب وأولها (حزيز) من بلاد سنحان جنوبا عن صنعاء، وأهلها من حاشد، وفي حزيز اغتيل إمام اليمن يحيى (سنة 1948م) في طريقه الى صنعاء قادماً من إب والذي اغتاله رجل وضع له كميناً من تلة وهو رجل مشهور باصابة الهدف حيث اخترق الرصاص زجاج سيارة الإمام وأصاب الإمام. والسيارة التي قتل فيها الإمام موجودة حتى الآن في المتحف الحربي، وكذلك صورة القاتل واسمه. وبعد حزيز مررنا ببلاد الروس ثم (نقيل بسلح) والنقيل هو: العقبة او أطول منها، وبسلح نقيل مشهور يطل على قاع جهران يبعد عن صنعاء 45 كيلا، تقع في اسفله قرية النقيل وهي من مناطق الآثار، وفي النقيل حدثت مواجهة بين الإمام يحيى الرسي (1) والدعام بن ابراهيم شيخ همدان (عام 285هـ) ثم بعد ذلك (قاع جهران) وهو حقل واسع فيه مئات المزارع وتشكل قرى جهران مديرية من مديريات محافظة ذمار، وفي جهران كانت وقعة بين السلطان نور الدين عمر بن علي بن رسول الأزدي (2) وبين قبيلة بكيل سنة 647هـ ثم وصلنا الى (معبر) وهي مدينة وسط قاع جهران تقع في منتصف الطريق بين صنعاء ومدينة ذمار وفيها مفترق طرق لمختلف مناطق اليمن ثم مدينة (رصابة) وأغلب منازلها قد تهدمت بفعل الزلازل الذي حل بمنطقة ذمار ثم مدينة (ذمار) وهي مدينة كبيرة وهي مركز محافظة ذمار والتي تشمل كلا من (الحدا غنس جهران ضوران جبل الشرق مغرب عنس عتمة وصاب العالي وصاب السافل) وقد ذكر الهمداني ذمار وقال عنها: إن سكانها من حِمْيَر والأبناء هم نسل الفرس الذين قدموا مع الملك سيف بن ذي يزن. أما في الوقت الحاضر فإن سكانها من الاشراف وعنس من مذحج وبنو الاكوع من حِميَر ومن بكيل وحاشد وآخرين غيرهم وينتمي الى ذمار مجموعة كبيرة من العلماء، وقد ورد ذكر ذمار في جميع أحداث اليمن.
ثم وصلنا الى (بيت الكوماني) وهي قرية تتبع محافظة ذمار ثم وصلنا الى مدينة (يريم) وهي مدينة مشهورة من ارض يحصب سميت على اسم احد ملوك حمير وهو: يريم ذى رعين، كما أنها مدينة قديمة، وفيها الكثير من المعالم الأثرية وبقايا عمائر الحميريين ويوجد في وسطها قلعة تاريخية يبلغ ارتفاعها 50 متراً تطل على جميع أحياء المدينة ويحيط بها سور من جميع الجهات مبني من الحجر الاسود كما يوجد في المدينة سرداب تحت الارض يعرف باسم المعيان وجوانبه مبنية من الحجر الاسود وسقفه على هيئة قبة تجري فيه المياه لأنحاء المدينة، ويريم مديرية تابعة لمحافظة إب تضم عدة مراكز ومن يريم يتفرع طريق الضالع لحج عدن ثم رأينا على البعد قرية يقال لها عراس.
وقال أحد الاخوان الذين معنا في السيارة ان سكان أهل عراس في الوقت الحاضر مكارمة اسماعيلية وكان مبدأ خروج علي بن فضل القرمطي منها هذا ما يقوله المرافق الذي معي، وهذا يخالف ما ذكره رواية الهادي الى الحق ان علي بن فضل مولده الجند واصله من الرحبة من رقيق الاحماس وفي عراس (سنة 802) تعرض الإمام الزيدي علي بن صلاح الدين بن ابراهيم تاج الدين لكمين من باطنية عراس فدافعهم، وقتل منهم جماعة وعراس تابعة لمديرية يريم ثم بعد ذلك مدينة (كتاب) وهي قرية وسط سهل اخضر ويتبع لها بيت قعشة تابعة لمديرية يريم ثم بعد ذلك وصلنا نقيل سمارة وهي قلعة ونقيل فيما بين مدينة يريم ومدينة إب ثم وصلنا الى السحول وهو حقل واسع يمتد من سفح جبل سمارة وحتى سفح عقبة مدينة غب وينسب الى السحول عدد من العلماء ولسحول ذكر في المصادر القديمة لأحداث اليمن وخلال مسيرنا وقبل الدخول لمدينة إب يوجد على يمين الخط سوق يسمى سوق السحول وهو سوق شعبي يقام يوم السبت من كل أسبوع فقط، ولذلك يقال له سوق السبت في السحول وهناك أسواق شعبية أخرى في محافظة إب على مدار الاسبوع ثم دخلنا مدينة إب وتبعد عن صنعاء 140 كيلا، وهي ارض منبسطة بين الجبال ترتفع عن سطح البحر حوالي 6200 قدم وفي إب المدينة القديمة وهي محاطة بسور وهي جميلة جدا توجد فيها المباني القديمة، وفيها كثير من الجوامع أهمها جامع عمر بن الخطاب الذي يقال انه بني بأمر الخليفة عمر بن الخطاب وجوامع أخرى مشهورة، وقد تخطى عمار مدينة إب السور القديم الى الهضاب والجبال حولها حتى كأنك ترى هذه المنازل ملاصقة لحافة الجبل وعملت لها طرق وبعضها في أعلى الجبل ونتج عن ذلك أحياء جديدة وجو مدينة إب جميل جداً كأنك في أوروبا والأمطار تهطل كل يوم عصراً في الغالب وإذا كنت في المدينة ترى على مدى البصر ان مدينة إب تحيط بها السهول والجبال الخضراء ويقول بعض أهل إب: إنها اكثر مناطق اليمن كثافة سكانية وذلك صحيح بحكم هطول الامطار بكثرة وتوفر المياه التي يعمل لها أهل إب سدوداً حتى في القرى التابعة لها والسد المقصود هنا ليس السدود المقامة على الأودية وإنما هو عبارة عن خزان كبير يعمل عند كل قرية يحفر في الأرض ويكون عمقه تقريبا (20 مترا) وشكله الخارجي يشبه البرك التي عملتها زبيدة زوجة هارون الرشيد لحجاج بيت الله ويذكر السكان ان بعضها قديم وعملت هذه البرك الكبيرة بحيث إن ماء الجبال تسيل إليها والقرى في محافظة إب جميلة ولكن لم أجد تموينات تجارية، وقد يكون السبب في ذلك أن لدى أهلها ما يكفيهم من المزارع التابعة لهم كما أنهم يعملون الخبز في البيوت ولا يحتاجون لمخابز وهذا الخبز لذيذ يشبه الخبز الإيراني حتى في منازل إب يعمل هذا الخبز والذي يقوم نساء البيت بعمله وتوجد مخابز اتوماتيكية في إب ولكن لا يقدم في البيوت وإنما يقدم في المطاعم والفنادق.
حصون إب والملكة أروى
ويوجد في محافظة إب أربعة حصون حصن خدد في حبيش، وحصن حب في بعدان، وحصن أنور في نقيل سمارة، وحصن تعكر وفيه مدافن الملكة أروى.
والملكة أروى كانت مقيمة في منطقة جبلة تبع آب، وقد صعدت الى حصن حب وهو فوق جبل بعدان من حيث وقفت السيارة التى تقلنا وصعدنا بواسطة درج عمل قديما على شكل متعرج وقد احتجت الى خمس وقفات استراحة حتى أواصل الصعود الى جدار القلعة الخارجي وعند الوصول الى هذا الجدار احتجت الى صعود آخر الى جدار الداخلي للقلعة وقد وجدت مدخل القلعة على شكل قوس وقد تهدم الجدار الداخلي فلم يبق سوى المدخل والمسجد وبناء مغلق ومخازن الحبوب وقد ابلغني احد اعيان قرية حده المشكى وهو احمد النظاري ان جده قد اقام في حب واسم هذا الجد عمر عبدالرحمن النظاري وأقام فيه مباني، ولكن المقحفي يذكر ان الحصن قديم فيه قبر القيل ذي رعين وان الملك المظفر الرسولي قد انطلق منه في حدود القرن السابع الهجري للسيطرة على المناطق الجبلية بعد مقتل والده السلطان داود. ويذكر المقحفي ان في الحصن مدرسة قديمة بناها علي عبدالرحمن النظاري وهذا ما يؤكد ما ذكره احمد النظاري ولكن الاسم الاول يختلف. وقيل ان الحصن سمي حب لأنه عمل فيه مخازن كثيرة للحبوب ويوجد اربعة وديان في محافظة إب، وادي بنا وفيه اكبر الشلالات تصب طول السنة، ثم وادي الجنات ويصب في الصيف فقط، ثم وادي عنه والمتنزهات الموجودة في إب فيه أحدها في جبل ربى وهو منتزه مشرف على مدينة إب لم يطور لاجل السياحة والآخر متنزه جبل مشورة على طريق العدى تقام فيه احتفالات الزواج وما يتبعه من عرضات يمنية بالخناجر كذلك من ضمن محافظة إب مدينة جبلة وهي تبعد اربعة اميال عن مدينة إب وهي كانت مقر حكم الدولة الصليحية التي حكمت اليمن خلال الفترة من 438 - 532ه وهم ينتمون الى حاشد من همدان وأول حكامها علي بن محمد الصليحي الذي وحد اليمن حتى حضرموت ثم ابنه تولى بعده ابنه احمد بن علي الصليحي ثم بعد وفاته سنة 480ه تولت زوجته الملكة أروى بنت احمد بن محمد بن جعفر بن موسى الصليحي التي حكمت اليمن وكانت من أعظم نساء وقتها عقلا وأدبا وكمالا وحسبا حتى قيل لها بلقيس الصغرى الى تاريخ وفاتها سنة 532ه وبوفاتها انتهت الدولة الصليحية وانبثقت عنها امارات منها امارة بني زريع الهمدانيين في بعدان وامارة السلاطين بني حاتم الهمدانيين في صنعاء وامارة ال شرحبيل الهمدانيين بجحور، وإمارة سلاطين جنب في ذمار ولهذه السيدة معزة عند اليمنيين لما قامت به من اصلاحات في اليمن ويعتبر عصرها عصر الازدهار والرخاء ويوجد للملكة أروى متحف في مدينة إب لم يسعفني الوقت لزيارته كما تقع مدينة جبلة بين نهرين جاريين شتاء وصيفا وترتفع جبلة عن سطح البحر حوالي 6745 قدما، وهي على هضبة مسطحة كذلك يتبع محافظة إب المذيخرة وتقع في العدين وهي بلاد جميلة وصفها العلامة الأكوع بأنها روضة من الرياض الغنّاء ذات البساتين النضرة والحدائق الزاهية والقصور البديعة والمياه المتدفقة والفواكه الدانية والخضرة الدائمة والجو المعتدل والمناخ الطيب، ولولا وقوعها في فجوة بين الجبال الشامخة لكانت من عجائب اليمن. والمذيخرة كانت مقر حكم علي بن فضل القرمطي (3) وفيها اكثر وقعاته وقد عمل من الفظائع والقتل والتدمير في المناطق التي استولى عليها ومن ذلك انه هجم على زبيد سنة 293ه وقتل أهلها وسبى من نسائها اربعة آلاف عذراء ثم خرج راجعا الى المذيخرة ولما وصل بعض الطريق قال لأصحابه ان هؤلاء النساء يشغلنكم عن الجهاد ونساء الحصيب فتنة فاذبحوا ما في أيديكم منهن فذبحوهن في ساعة واحدة فسمي ذلك الموضع المشاحيط.
ومن أخباره انه خرج لقتال مذحج سنة 300هـ حتى صار الى جيشان ثم سار الى السرو ونزل في قلعة صناع وبها مقامه أول مرة وحاربه رزام المذحجي ومَن أجابه من مذحج ثم جرت بينهم هدنة على أنه لا يطأ لهم بلداً.
هذه الرحلة تخص إب أما باقي اليمن فحديث يطول ومن يزور إب عليه ان يقيم في فندق تاج إب وهو فندق جميل ونظيف وأهميته انه على شرفة الجبل ومشرف على مدينة إب وهناك مرشدون صغار السن يقومون بالدلالة على الأماكن السياحية في منطقة إب وهي منطقة بكر لم تستغل سياحياً حتى الآن ولا أبالغ اذا قلت انها تشبه مروج أوروبا. فهل هناك من مستثمر سواء من اليمنيين الأغنياء او العرب ليقيم مشاريع سياحية في هذه البلاد؟ في الختام اشكر الاخوان اليمنيين من أهل إب وهم رجل الأعمال أحمد محسن الفلاحي وهو ساكن في صنعاء.
وكذلك رجل الأعمال نصر حميد الفلاحي وهو ساكن في إب اشكرهما على كرمهما وتعريفهما لي عن بلادهما واشكر الاخ محمد العمري من إب وساكن في صنعاء والاخ الشاب الجامعي إبراهيم المثيل من أهل رداع وساكن في صنعاء لما قاما به معي من تعريف للأماكن السياحية في صنعاء مثل دار الحجر وهو مقر الإمام يحيى وودى ظهر وما حولها وكذلك من الأماكن التي مررنا بها من صنعاء وحتى الضالع ولحج وآخرها عدن.
هوامش
(1) يحيى بن الحسين الرسي الملقب بالهادي إلى الحق، ولد في المدينة سنة 220هـ وهو أول إمام زيدي في اليمن ومقر حكمه صعدة من سنة 283هـ حتى تاريخ وفاته 297هـ وكان بينه وبين القرامطة حروب ووقعات شديدة ولكنه لم يتمكن من التغلب عليهم وأكثر أئمة الزيدية في اليمن من ذريته والرس المنسوب إليها وادي قرب المدينة المنورة حسب ما ذكر الشيخ حمد الجاسر مجلة العرب.
(2) السلطان نور الدين بن عمر بن رسول هو أول حكام اليمن الرسوليين الأزديين وهم من ذرية جبلة بن الايهم آخر ملوك غسان وهم يرجعون إلى جفنة بن عمرو الملطوم بن عامر ماء السماء الأزدي بلغت اليمن في عهد بني رسول أوج قوتها وعزها وفترة حكمهم من 626هـ إلى سنة 845هـ وامتد حكمهم إلى حضرموت ومكة المكرمة ولو قيض لهذه الدولة أن تستمر لكانت اليمن من أحسن الدول.
(3) مات علي فضل القرمطي مسموماً سنة 303هـ ثم لما بلغ موته أسعد بن أبي يعفر سار إلى المذيخرة ودخلها قهراً بالسيف وقتل ولده وسبى بناته وهن ثلاث فأعطى ابن أخيه واحدة والأخريين لاثنين من الرؤساء أصحابه وانقطعت دولة القرامطة.
(4) ورد في نسب شيخ مذحج المتوفى عام 660هـ الذي ملك ناحية كبيرة في مشرق واليمن وهي حجر نواحيها وتغلب على حصونها العروسين ووعل والثويرة ونعمان وشرق الجند وله أخبار مع ملوك بني رسول أن اسمه هو علوان بن عبدالله بن سعيد بن الحلك بن رزام الجحدري المذحجي لذا يكون رزام المذحجي المشار إلى وقعته مع القرمطي سنة 300هـ جدر رزام وقد يكون هناك سقط في أسماء الأجداد حيث إن بينهم 360 سنة وقد أورد المقحفي في نسب علوان زيادة بقوله الجحدري الربيعي المذحجي وفي صفة جزيرة العرب للهمداني قوله والخانس لبنى ربيعة وهم الربيعيون برداع وهم من جنب لذا يكون الجحدري منسوب إلى ربيعة جنب من مذحج وفي نسب جنب بنو ربيعة بن منبه ومنبه هو أحد الستة من جنب منهم الفقيه أبو ظبيان وهو حصين بن جندب بن عمرو بن الحارث بن مالك بن وحشى بن مالك بن ربيعة بن منبه بن جنب من مذحج.
|