عندما تفقد النبي سليمان عليه السلام الطير.. وهو الذي أوتي ملكاً لا ينبغي لغيره.. لم يجد الهدهد حاضراً مع من اصطف أمامه من المخلوقات بأنواعها، قال وقد تلبسه الغضب.. لأذبحنّه.. أو لأعذبنّه عذاباً أنكى من الموت.. قالوا أعذاباً أنكى من الموت؟.. قال نعم لأجعلنه في قوم لا يفهمون قدره.
وقد صدق- عليه السلام- وهو الذي أوتي علماً وحكماً.. يموت المرء ألف مرة كل يوم عندما يوضع بين أناس لا يقدرونه حق قدره.
يقول المثل الشعبي السوري.. إذا جنوا رفقاتك عقلك شو بيفيدك.. ولا أريد أن أدعي أنني العاقل الوحيد في هذا العالم المليء بالمجانين لكني أتساءل.. كم من رجل ضاع في زحمة الدنيا لأنه وضع في مكان، وبين أناس لم يقدرونه.. وكم من مهارة ضاعت وقدرة تلاشت، وعبقرية ماتت لأنها وجدت بين من يسخر بها أو لا يهتم بها ولم يفهمها.
وكم من مبدع عاش بين الناس وهو مزدرى ومنعوتا بالجنون أو التخلف لم يكتشف قيمة ماكان يفعله إلا بعد أن مات.. والجواب قد لايكون هو الأهم.. إنما حجم المعاناة التي عاشها من شاءت أقداره وظروفه أن يكون في هذا الموقف بين أناس لم يفهموا قدره يحاول أن يقدم ما ينفعهم، فيقابل بالسخرية والتهكم ويسعى لإحداث ماقد يغير الأمور إلى الأحسن فيقال عنه ما يسيء له.. تخيلوا معي هذه المعاناة لتتأكدوا أن عدم فهم الناس لقيمة الشخص وقدره هو عذاب أنكى من الموت نفسه.
للشاعر غازي القصيبي..
وحين أغيب وراء المغيب.. يقولون كان عنيدا وكان يقول القصيدا، وكان يحاول شيئا جديدا.. وراح وخلف هذا الوجود كما كان قبل غبياً بليدا.. ففيم العناء.
|