نعم فكون أنني واحد من أرباب مهنة العمل الاجتماعي ومن المهتمين بهذا العمل فإنني أنظر إلى الأمور غالبا نظرة اجتماعية، وعلى هذا الأساس فأنا أنظر إلى الإعلام باعتباره عاملا مساعدا على التطور باعثا على التغيير، ولديه أدوات الاستخدام المثلى المقروءة والمسموعة والمرئية حتى ولو كان المحتوى يتناول الفن والرياضة والأدب. حتى ولو اهتم بتناول أساليب الحياة بين فئات المجتمع ومستوياتها وتنوعاتها.. وهي على خط متصل واحد -، وكذلك مراميه القصدية نحو معالجة مشاكل وصعوبات التعلم لدى الطلاب، وتوجيههم الدراسي، أو دعمه لثقافة المجتمع - وهويته - وكيفية الحفاظ عليها من الخلايا الشاردة تحت السماء المفتوحة إعلاميا.
وإزاء ذلك نقول إن اقتناء أدوات الإعلام المتقدم يجعل له دورا متعاظما في التأثير على توجهات الرأي العام ويبعث فيه أمارات الحرص على رسوخ قيم الخصوصية الثقافية في مواجهة طغيان العالمية والانفتاح اللامحدود حتى ولو تسمى بالتطورية أو اتسم بالإصلاحية.
ولذا فإنه لمن الطبيعي أن يتمحور الإعلام لدينا على إبراز والتأكيد على دعم مرتكزات قيم الخصوصية الثقافية لمجتمعنا وأن يكون من سياساته الإعلامية:
- التأكيد على تجسيد هويتنا الثقافية وذاتنا العربية، وتقاليدنا الأصولية التراثية بعراقة قيمها التي تحيط بمؤسساتنا الثقافية والتي تدعم موقف هذه المؤسسات تجاه تعميق قيم الشورى وقيم التواصل التاريخي والثقافي والمجتمعي الوطني.
- الاهتمام بالأدوات الثقافية ذات الشأن في إبراز السياسات الثقافية بأنساقها القائمة وأطرها الحضارية ذات العمق التاريخي وبناء على ذلك ومن خلاله يتم ترسم الثقافة الوطنية المعاصرة وتهيئة مناخ البحث العلمي وإجراء الفحوص العلمية للنظم الثقافية والاجتماعية الراهنة.
وعلى الإعلام إزاء ذلك الإسهام النوعي لتطوير أدوات الثقافة الوطنية وعلاقتها بالمؤسسات الثقافية القائمة وحثها للحرص على مبادئها ووفائها التام للقيم والأهداف التي تلتزم بها وهي التي تؤكد دينامية وتفعيل الدور الوطني.
وإزاء ذلك نحن لا ندعو للتقوقع ولكن الانتشار الهادف الملتزم بأيدولوجية المجتمع وإمعان النظر في الفكر الجديد وما هو معروض من معارف جديدة تحدد معنى الوجود، وصور الممكن لبلوغ مستقبل واعد تحت مظلة الهوية الوطنية والتطلع لمزيد من التعاون بين المؤسسة الثقافية والمؤسسة الاجتماعية والمؤسسة السياسية.
والصمود أمام تحديات التيار المناهض لقيمنا الثقافية وما نمتلكه من إمكانات وأدوات ثقافية تمكننا من وقوفنا الصامد أمام القضايا المعاصرة بما يتوجب معه بناء مناخ وصناعة الإبداع العقلي، وإذكاء ملكات التفكير العلمي ومنهجيته المتوافقة، وعرض المنتج الثقافي والإسهام العلمي ودوره في عملية التطوير وآلية التغير الممكن والمتاح.
- حث مفكرينا وعلمائنا في كافة مجالات العلم والحياة لنشر والإعلان عن جهودهم الإبداعية الثقافية والعلمية، وإبراز دورهم في صنع الحياة المعاصرة، والأخذ بأساليب تنمية القيم الثقافية والعلمية والفنية.
إن ما ذكر آنفا من مضامين الرسالة الإعلامية والدور المنوط نحو طبيعة هويتنا الثقافية بما لها من مقومات وخصائص تمكن المؤسسة الثقافية من الصمود أمام محاولات تدمير الخصوصية الثقافية وقد يمتد وفقا لمنهجية مغرضة لتدمير وإبادة الهوية العربية في مضمونها ومكوناتها.
من هذا القبيل نستطيع أن نؤكد أن عدداً كبيراً من مثقفينا وعلمائنا ينتظر المشروع الوطني للإعلام لقيامه بدور رئيسي في مجال تحليل مضمون ثقافة واتجاهات ومفهومات الآخر كون أنه آخر، من حيث المحتوى ومن حيث الموقف من الخصوصية، ومن العالمية، وانتقاء ما يفيد في دعم وما يفيد في عملية النمو والتطوير وصنع الأنموذج التنموي المتوافق الذي يمكنه الصمود أمام تحديات العالمية وتأثيرها الفاعل في تحقيق الأهداف التنموية التطويرية وإدارة المواجهة الداعمة بين سياسة الخصوصية ومرامي العالمية والتي تعتبر في وعي الآخر أنها تطور إنساني، وتحول طبيعي.
هكذا نتصور دور الإعلام لدينا هو تحليل مصادر التأثير الفكري واكتشاف دلالاته الفكرية والثقافية، ودعم الجهود الوطنية المبذولة في هذا الخصوص وكشف ما يتضمنه المحتوى ظاهرا وباطنا، كماً وكيفاً الأمر الذي يشكل المادة الإعلامية المقدمة للمواطنين حاملة القدر الأكبر والممكن من المعلومات الصحيحة والحقائق الواضحة بالقدر الذي تستوعبه عقلية المواطنين بعيدا عن الشعارات التي يتغنى بها الآخر (الحرية - العدل - الخير - الجمال..)، وهي قيم صراع التطور الممتد التي تؤثر في مجالات العلاج النمائي.
ويعنينا من هذه المجالات العلاجية النمائية وهو ما يفيد في طرح قضايانا الواقعية وما تحمله من غايات تستهدف خدمة المجتمع بأسس مرشّدة تصل لنتائج نافعة تعتمد على عقلية منظمة وفكر مستنير يمكنه من توظيف مهارات الاتصال والإقناع نحو قضايانا المتعددة في نفس الوقت الذي يمكن فيه التصدي لزخم متراكم من المشكلات الاجتماعية التي تؤثر بالسلب في إمكانات التنمية الثقافية ومصاحباتها التطبيقية والميدانية.
وينضم لهذه القضية قضية أخرى وهي مطلب الارتقاء بالمؤسسة الإعلامية على الرغم من كونها خدمة مؤداها بعث الثقة والأمل التي ترتبط ارتباطا وثيقا بأمرين هما: إمكانية التوصل إلى إجراءات التشخيص الصحيح للواقع المعاش، والأمر الثاني يتعلق بعملية إقناع المجتمع بمرتكزات التصدي لمشكلات ذلك الواقع ويحدنا في ذلك أمور منها تحديد مؤشرات التصدي الممكن والتي توليها المؤسسة الإعلامية اهتمامها من خلالها قياسها ومخاطبتها للرأي العام الذي يعيش حالة من الرضا والارتياح التي تمكنه من أداء دور أساسي في التصدي لمشكلات الواقع بكل ثقة وأمل وبهذا دعم للمشاركة الكلية وتحديد مؤشرات التقدم التقني والمعرفي اللازم بما يتضمه من تجويد المحتوى بشكل مناسب لتنافس مع الوكالات الإعلامية العالمية بمحتوى إعلامي جاذب قادر للتعامل مع مطالب التغطية الإعلامية وفقا لاستراتيجية إعلامية محسوبة.
|