تتفتق العقلية النضالية الفلسطينية في كل مرة عمّا يذهل الاحتلال، فيتخبط في المواجهة ويلجأ إلى أساليب تعكس عجزاً فاضحاً في التصدى للتحديات المفروضة عليه، ومع إكمال انتفاضة الأسرى المتمثلة في إضرابهم عن الطعام أسبوعها الأول فقد بات من الواضح أنها تكتسب زخماً جماهيرياً وسياسياً مع انضمام المزيد من السجناء إليها، وحتى تضامن أولئك الموجودون خارج السجون معها، مع تنبه الرأي العام العالمي لما يجري.
وشكلت مشاركة مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح في الإضراب علامة فارقة معززة من قوة الإضراب، ويظهر ذلك بشكل جلّي في محاولات إسرائيل المتكررة نفي أن البرغوثي ضمن المضربين، لكنها لم تجد بداًَ مع انكشاف الأمر وتناقله في وسائل الإعلام بصورة واسعة من أن تعاقب البرغوثي السجين أصلاً، من خلال الزج به وسط عتاة مجرميها القابعين في السجون في محاولة منها لإهانته.
وتحاول إسرائيل من خلال ذلك وضع نضال البرغوثي الذي أودى به إلى السجن في مرتبة واحدة مع جرائم القتلة والمجرمين ومضاهاة ذلك الفعل النضالي للسجين الفلسطيني بما يرتكبه كبار المجرمين في الجرائم الجنائية، وذلك في إطار محاولات التشويه الإسرائيلية لكامل النضال الفلسطيني.
وتعكس تصرفات إسرائيل بهذا الصدد أنها تضيق بالنضال السلمي الذي يتمثل في هذا الإضراب، كما تضيق بكل التحركات الفلسطينية، غير أن هذا الإضراب بدأ يأخذ شكلاً دولياً أوسع باعتبار أن الوسائل السلمية في العمل تجد قبولاً وتجتذب أنظار منظمات المجتمع المدني في أنحاء العالم بما في ذلك الجماعات الدولية التي عرفت منذ مدة طويلة بتضامنها مع الفلسطينيين.
وسيترك هذا الإضراب بصماته الواضحة في مجمل العمل النضالي الفلسطيني بانعكاساته الإعلامية من خلال تسليط الضوء على محنة الأسير الفلسطيني وكيف أن المعتقلات الإسرائيلية تضم كل هذه الأعداد الكبيرة من الأسرى؟ كما أن الإضراب يلفت الأنظار إلى القسوة التي تعامل بها سلطات الاحتلال هؤلاء الأسرى بما في ذلك حرمانهم من حقوق الأسير التي تضمنها الاتفاقيات الدولية.
إن أي فعل نضالي فلسطيني يصب دائماً في مصلحة قضية هذا الشعب، وسيظل العمل الدؤوب المستمر هو ديدن الفلسطينيين لإحراز المزيد من النقاط لصالح قضيتهم، فالفلسطيني يجد أن النضال هو عمل يومي لا مناص من أدائه ولن يكون أمراً خارقاً يصعب الإقبال عليه وإنما هو واجب محبب، وأن غيابه يعني الاستسلام وهو أمر غير وارد في أجندة هذا الشعب، إذ تشير وقائع يوميات النضال منذ أكثر من خمسة عقود من الزمان أنه لم يمر يوم دون اشتباك ما أو سقوط شهيد أو تنفيذ عملية أو تنظيم إضراب أو خروج يومي في أعمال الانتفاضة المتواصلة منذ عدة سنوات.
|