شهدت المملكة العربية السعودية مؤخراً حدثاً اقتصادياً كبيراً ومهماً، كبيراً في حجمه، ومهماً بتوقيته، وجدير بالتوقف عنده ودراسته واستيعاب دلالاته.
لقد تم اختيار اتحاد اتصالات الإمارات لترسية الرخصة الثانية للاستثمار في شبكة الجوال لتقديم خدمات الجيل الثالث على نطاق المملكة العربية السعودية إلى جانب شركة الاتصالات السعودية.
إن هذا الحدث يؤكد القدرة المهنية العالية لهيئة الاتصالات السعودية ومصداقية وشفافية الإجراءات التي تتبعها الحكومة السعودية لجذب الاستثمارات الإقليمية والدولية إلى المملكة. وما حدث في قطاع الاتصالات دليل واضح على ذلك.
إن الخطوات والإجراءات التي قامت بها هيئة الاتصالات السعودية لترسية الرخصة الثانية للجوال، والتي رعاها المجلس الاقتصادي الأعلى، وأقرها مجلس الوزراء، تؤكد بوضوح المصداقية والموثوقية في التعامل، والشفافية اللازمة لإتاحة فرص المنافسة المنشودة لصالح المستثمر والمستهلك في آن واحد، كما أنها تزيد من جاذبية الاقتصاد السعودي للاستثمارات الإقليمية والدولية. والمنافسة العالمية والإقليمية التي تمت للفوز برخصة الاستثمار في الجوال تؤكد مجدداً هذه الجاذبية وكبر السوق السعودية وقدرتها على تمويل مشاريع عملاقة كمشاريع الاتصالات، فضلاً عن رغبة مصادر التمويل الدولية لتوجيه استثماراتها للدخول في أسواق المملكة في مختلف القطاعات طالما أن طرح المشاريع الاستثمارية سيتم بمثل هذه المصداقية، وبالمستوى الكبير من الشفافية.
وذلك يفسر تطلع البنوك المحلية والاقليمية والعالمية وحماسها للمشاركة في تمويل مشروع الاتصالات المشار إليه وغيره من المشاريع العملاقة في المملكة العربية السعودية.
ومن الدلالات المهمة للحدث الذي نشير إليه هو أن الاتحاد الذي فاز بعقد الرخصة الثانية للجوال تقوده شركة خليجية (اتصالات الإمارات) بعد أن تنافست مع شركات عالمية. وذلك خطوة مهمة، في نظري، في طريق التكامل الاقتصادي على صعيد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، نأمل أن تتبعها خطوات أخرى في كل دول المجلس، وفي كل القطاعات، بعيداً عن الحساسية والتردد الذي حصدنا نتائجه السلبية ردحاً من الزمن.
لقد حان الوقت للإسراع بتحرير الخدمات على الصعيد الخليجي، أولاً، لنستعد كتجمع اقتصادي اقليمي للمنافسة بكفاءة واقتدار على الصعيد العالمي.
لقد نصت أهداف مجلس التعاون الخليجي وقراراته منذ إنشائه عام 1981م على تقوية التشابك والترابط الاقتصادي بين دول المجلس، وتحقيق المواطنة الاقتصادية وتطبيق مفهوم السوق الخليجية المشتركة. وشهدت السنوات الأخيرة خطوات مهمة على صعيد التكامل الاقتصادي لهذا التجمع، وذلك بقيام الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون وتطبيقه ابتداء من بداية عام 2003م، وإقرار المجلس الأعلى لتنفيذ خطوات إقامة السوق الخليجية المشتركة التي تنص على استكمال قيامها قبل نهاية عام 2007م.
كما أقر المجلس الأعلى البرنامج الزمني للاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية المشتركة في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 2010م، ولكن هذه القرارات يحتاج تجسيدها إلى خطوات عملية من دول المجلس بحيث يعامل المواطن فرداً كان أم شركة في أي دولة من دول المجلس معاملة مواطن الدولة نفسها. وفي مقدمة ذلك تحرير الخدمات وفتحها للمنافسة على الصعيد الإقليمي وإزالة أية عوائق للاستثمارات البينية في إطار مجلس التعاون. وأكثر من ذلك فإننا ندعو إلى مزيد من الاندماجات بين الشركات والقوى الاقتصادية في دول المجلس، ونأمل أن نرى مزيداً منها وبهذا المستوى في جميع دول المجلس، بعيداً عن الحساسية بأن هذا منتج أو شركة من هذه الدولة أو تلك من دول المجلس.
ومن هذا القبيل فإننا ندعو إلى فتح الأجواء لشركات الطيران الخليجية وتشجيع الاندماج أو تكوين اتحادات فيما بينها.
وأخيراً فالشكر واجب لكل من شارك وساهم في إنجاح تجربة اتحاد الاتصالات وفوزها بعقد الرخصة الثانية للجوال، فهي في نظري نقطة تحول في مسيرة التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون لاسيما في مجال الخدمات.
والله الموفق
|