* القاهرة -مكتب الجزيرة - إبراهيم محمد:
تنتشر ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي في جميع دول العالم سواء الدول المتقدمة أو النامية وتسمى بالاقتصاد غير المنظم أو غير الرسمي وتستحوذ هذه الظاهرة على اهتمام خبراء الاقتصاد في العالم لما لها من انتشار واسع حيث تشير التقديرات الموضوعة حول هذه الظاهرة وتمثل شريحة كبيرة من المجتمعات في الدول المتقدمة وتقدر في الدول النامية بـ30% أي ثلث الاقتصاد.
و(الجزيرة) في هذا التحقيق تلقى الضوء على ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي وتأثيراته على الاقتصاديات العربية.
في البداية نعرف الاقتصاد غير المنظم أو غير الرسمي بصورة مبسطة بأنه الاقتصاد الذي يتضمن أنشطة اقتصادية تخرج عن الأنشطة التي تشكل الاقتصاد الرسمي للدولة، لعدم تسجيلها في السجلات الرسمية للدولة، وبالتالي لا تدخل القيمة المضافة لها أو الدخول المتولدة عنها ضمن الحسابات القومية للدخل والناتج في الدولة.
وتعد أنشطة الأسر المنتجة في الريف والحضر كتربية الطيور والدواجن والمزارع السمكية وتربية الحيوانات وتسمينها والخدمات التي يتبادلها الأفراد فيما بينهم والباعة المتجولون وهم من أوسع القطاعات في الاقتصاد غير المنظم والمشروعات التجارية والصناعية والحرفية الصغيرة التي تعمل دون ترخيص قانوني والأعمال والخدمات التي يقوم بها أصحابها ويتقاضون عنها أجراً ولا يخطرون بها الأجهزة الرسمية للدولة مثل الدروس الخصوصية والأعمال الإضافية، بالإضافة إلى إيرادات ملاك العقارات المبنية والزراعية غير المسجلة رسمياً ويصعب حصر الاقتصاد غير المنظم فيها.
وعن حجم الاقتصاد غير المنظم أشارت دراسة أعدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن التقديرات الموضوعة عن حجم هذه الاقتصاديات مختلفة، إذ يلاحظ أن حجم المعاملات التي يشملها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي يتراوح في استراليا بين 4- 12% وفي ألمانيا بين 2-11 %،وفي إيطاليا بين 10-33 %، وفي اليابان بين4-15 % وفي المملكة المتحدة بين 1-15 % وفي الولايات المتحدة الأمريكية بين4 -33 % ويتزايد حجم هذا الاقتصاد في معظم الدول النامية وتتزايد في نفس الوقت مكوناته، حيث يزيد حجمه عن نصف الناتج القومي الإجمالي، ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن الأنشطة غير الرسمية تشكل ما بين خمس الناتج الكلي وثلثيه في أمريكا اللاتينية، وبلغت في المتوسط من 18 إلى 22 % في بعض بلدان أوروبا الوسطى والشرقية بين عامي 1989و1994 وبين 12 إلى 37 % في بعض الدول المستقلة حديثاً وفي مصر تشير الدراسة التي أعدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية إلى أنه يجب علينا في البداية الاعتراف بعدم وجود اتفاق حول حجم القطاع غير الرسمي سواء في مصر أو في أي مكان آخر، حيث إن هذا القطاع يعمل في الظلام ولا يكشف لأي جهة رسمية عن نشاطاته، وبالرغم من ذلك فإن هناك افتراضا أن حجم هذا القطاع في العالم النامي كبير بما يمثل حوالي 30-70 % من الناتج القومي الإجمالي (1987).
وحجم هذا القطاع يعد أصغر في دول مثل هونج كونج وسنغافورة واكبر في دول مثل بيرو والفلبين ومصر والمغرب، ولكنه حتى في حالة تقدير حجم هذا القطاع بـ 30 % فانه يفترض أنها تمثل ما يوازي مقدار ثلث الاقتصاد.
ففي مصر بالرغم من الجدل الدائر حول حجم مساهمة القطاع غير الرسمي في الناتج المحلى الإجمالي، إلا أن هناك إعدادا كبيرة من المنشآت والعاملين في هذا القطاع بما يبرر المساعي الرامية لإدماجه ضمن القطاع الرسمي للدولة.
فطبقا للمعلومات الخاصة بالمسح الحكومي في عام 1996، وكذلك لآراء المحللين المستقلين فإن القطاع غير الرسمي في مصر يستوعب حوالي 1.4 مليون عامل بالمقارنة بـ 6.8 ملايين عامل في القطاع الرسمي الخاص و5.9 ملايين في الحكومة، مما يجعل القطاع غير الرسمي اكبر مستخدم في الدولة.
وخصائص القطاع غير الرسمي في مصر مماثلة لخصائصه في الدول الأخرى، فاكثر من 90 % من المشروعات غير الرسمية في مصر تدار باعتبارها ملكية فردية أي مملوكة لأفراد ويقوم أغلبيتهم باستخدام اقل من خمس عمال، ويعمل برأس مال صغير ومحدود، وتنصب نشاطاتهم بالتحديد على قطاع الخدمات، ويستخدمون تقنيات إنتاج غير مجهدة، والعمر الافتراضي للمشروع حوالي عشر سنوات.
أما فيما يتعلق بقطاع الأراضي والعقارات فإن نسبة الأصول العقارية غير الرسمية (غير المسجلة) تبلغ حوالي 64 % من إجمالي الأصول العقارية في مصر، وتبلغ قيمتها نحو 240 مليار دولار وتقارب هذه الأرقام نظيرتها في أمريكا اللاتينية.
وبالاختصار فإن حجم القطاع غير الرسمي الكبير في مصر، بل في معظم الدول النامية أيضا يبرر أي جهود تبذل لادماجه ضمن القطاع الرسمي، لما لذلك من فوائد تعود على الطبقات الفقيرة أو المعدمة في المجتمع.
ويضيف الدكتور أحمد جلال الباحث الاقتصادي عن أهمية إدماج الاقتصاد غير المنظم ضمن الاقتصاد الرسمي للدولة. أن من أهم الفوائد المترتبة على إدماج القطاع غير الرسمي في منظومة الاقتصاد الرسمي في انه من الممكن أن يرفع معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار يتراوح بين 1-2 % سنويا موزعة على مختلف فئات المجتمع من ملاك العقارات وأصحاب المشروعات والعمال والمستهلكين.
إذ يساعد التحول إلى القطاع الرسمي صغار الملاك على زيادة دخولهم في المشروعات والاستفادة من مزايا وفورات النطاق نتيجة ممارسة نشاطها في السوق الرسمية، كما يدعم قدرتها على الحصول على الائتمان منخفض التكلفة، فضلا عن عدم خضوعها للضغوط المختلفة التي تتعرض لها في اطار القطاع غير الرسمي، أما العمالة فسوف تستفيد من ارتفاع أجورها نتيجة زيادة إنتاجيتها وتحسن ظروف العمل والمزايا التي تقدمها شبكات الأمان الاجتماعي، فضلا عن توافر فرص عمل جديدة نظرا للتوسع في المشروعات القائمة، أما المستهلكون فسوف يحصلون على منتجات أكثر جودة لخضوع المشروعات لآليات المراقبة والإشراف في اطار القطاع الرسمي حتى وان أفضى ذلك إلى تحمل بعض التكاليف.
أما بالنسبة للحكومة فإن الإصلاحات المقترحة من شأنها توسيع القاعدة الضريبية وبالتالي زيادة قدرة الدولة على تمويل الانفاق على الخدمات العامة ومشاريع البنية الأساسية وأوضح الدكتور مدحت حسانين وزير المالية الأسبق أن اهتمام الدولة بالقطاع غير الرسمي ينبع من محاولة السيطرة على البطالة والفقر.
فالأرقام في مصر مغالى فيها لأن الكثير ممن يعتبرون عاطلين هم منتجون في القطاع غير الرسمي وقد أظهرت بعض الدراسات أن نسبة تتراوح بين 3 إلى 5% من الرقم الإجمالي للعاطلين في مصر أعضاء في القطاع غير الرسمي ويحققون الربح.
وأضاف أن الغرض من دراسة القطاع غير الرسمي ليس حصره وانما تحديد المشاكل التي يواجهها وقال: إننا توصلنا إلى عدة مزايا يمكن لاقتصاد الظل أن يحققها وهي القدرة على النمو وتوفير الخدمات والنفاذ للأسواق والاستفاد من إمكانيات المنافسة وأوضحت دراسة أعدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن مشروعات الاقتصاد غير المنظم ترفض الدخول في الاقتصاد الرسمي بسبب ارتفاع تكاليف وأعباء الدخول تحت مظلة الاقتصاد الرسمي كاستخراج رخصة وتكاليف التزامه بالتأمينات وخضوعه للضرائب وكافة أنواع الرقابة على الرغم من تملكهم مصروفات وأعباء هم في غنى عنها مثل دفع الرشاوى وتحمل نفقات بقاء المشروع في الظل وعدم ظهوره أمام السلطات الرسمية للدولة وتكرار مخالفته للقوانين وما قد يتحمله من عقوبات جنائية مقترحات لدمج الاقتصاد السري وعرضت الدراسة بعض المقترحات لادماج الاقتصاد غير المظم ضمن الاقتصاد الرسمي كتبسيط إجراءات تأسيس مشروعات الاقتصاد غير المنظم وحصوله على الترخيص القانوني اللازم من الدولة ويستلزم ذلك توحيد القوانين العديدة وإنشاء هيئة مستقلة للتعامل مع هذه الظاهرة وتوفير قاعدة معلومات شاملة وصحيحة عن هذا القطاع بهدف تحسن الحسابات القومية بالاضافة إلى اهتمام الدولة بالمشروعات الصغيرة وتبسيط إجراءات تسجيل العقارات وانتقال الملكية وتخفيض رسومها وتحقيق العدالة الضريبية في النظام الضريبي للدولة بتحقيق المساواة الكاملة بين المواطنين في الأعباء العامة وذكرت أنه من غير المقبول أن تقتطع الضرائب نصف دخله الذي يحققه وتترك النصف الآخر ليعيش منه ويواجه أعباء الحياة ثم نطالبه بعدم التهرب من الضرائب وأخيراً وضع تنظيم قانوني للباعة المتجولين, يضمن مساعدتهم ورعايتهم اجتماعيا وتشجيعهم على الانضمام للاقتصاد الرسمي للدولة.
|