في الوقت الذي نشعر فيه بأننا أحوج إلى المعرفة من أي وقت مضى، وبرغم توجيهات ولاة الأمر حفظهم الله بقبول أكبر عدد ممكن بعض النظر عن النسبة، وذلك لضرورة التنمية البشرية، وتأهيل المواطن السعودي ليكون فاعلاً داخل نسيج المجتمع، وقادراً على المواجهة والصمود أمام التحديات التي تفرضها سياسات العولمة وتذويب الخصوصيات نجد أن سياسة التعليم الجامعي لدينا مازالت تتعامل مع الأمور بمنطق يناهض حاجة المجتمع، ويتنافى مع أهداف التنمية البشرية، ويتعارض مع سياسة تأهيل الكفاءات الوطنية لتكون جديرة بالإحلال وتوطين الوظائف في سياق المساعي نحو السعودة، فمع نهاية كل عام دراسي تتكرر المأساة، وتتبدد أحلام الكثير من الشباب والفتيات، والسبب هو الصراع على مقاعد الدراسة في الجامعات، وكليات التربية التابعة لوزارة التربية والتعليم، وكذلك التعليم الفني، والتعليم الصحي وغير ذلك .
فمن يحصل في الثانوية العامة على مجموع يتجاوز 85% سيجد له مقعداً بشق الأنفس، إضافة إلى تعذر أغلب الكليات بعبارة (اكتفينا بالعدد) أما الذين أصابهم الحظ العاثر، ولم يستطيعوا الوصول لهذه النسبة، يحكم على مستقبلهم بالضياع، ويصبح مصيرهم الفشل، والبقاء في البيت ليرتفع رصيد العاطلين عن العمل، وغير المنتجين، ويتضاعف العبء على كاهل الدولة والمجتمع، ويكون اليأس الذي أحكم قبضته على نفوس هؤلاء الشباب، عاملاً رئيسياً على انحرافهم، هل يعقل أن تصبح مقاعد الدراسة الجامعية حلماً صعب المنال أمام طلاب وطالبات اجتهدوا، لكنهم لم يوفقوا للوصول إلى نسبة 85%؟
وهل يعقل أن يتساوى الطلاب الذين كان مجموعهم أقل من 85% مع الطلاب والطالبات الذين رسبوا ولن يدخلوا الحرم الجامعي؟
ثم هل يعقل أن تظل قدرة جامعاتنا على استيعاب طلاب الثانوية العامة عاجزة أمام طموحات أولادنا وبناتنا في حين أن دولاً أخرى رغم محدودية إمكاناتها تغلبت على هذه المعضلة منذ زمن بعيد؟
علماً بأن خطة الدولة لتنمية القدرات البشرية للطلاب والطالبات في الصفوف الابتدائية اعتمدت مادة اللغة الإنجليزية والحاسوب، وتم التعاقد مع مدرسين من الخارج لتدريسها .
ومع ذلك لم يتم وضع خطة لزيادة عدد المقاعد، بل زادت شروط التعقيد في القبول، لدرجة أن بعض الجامعات لا تقبل بأقل من 90% علمي لدراسة الحاسب الآلي، مع أننا في أمس الحاجة لقبول عدد كبير من الطلاب والطالبات لتغطية العجز في مجال الحاسب وكذلك العجز الواضح في الكوادر الوطنية الموجودة في القطاع الصحي.
نحن لم نسمع، ولم نقرأ، في أي دولة عربية أخرى أن طالباً أو طالبة حصلت على مجموع 80% ولم تجد مقعداً في إحدى جامعات بلادها، بل إن هذه النسبة قد تحمل صاحبها إلى مقاعد كليات علمية رفيعة المستوى مثل الطب والهندسة والصيدلة، أو أدبية مثل الآداب واللغات والزراعة والتجارة، فلماذا نحكم على مستقبل من يحصلون على مثل هذه النسبة بالإعدام؟
لماذا نفقدهم الثقة في قدراتهم وأنفسهم؟
لماذا نعطيهم الفرصة للانحراف وهم في أخطر مراحل عمرهم؟
في دولة شقيقة مثل مصر يتجاوز تعداد سكانها السبعين مليوناً، ويتجاوز عدد الطلاب المقبولين للجامعات فيها أضعاف المقبولين لدينا لا نجد مثل هذه المشكلة، فالطالب إذا لم يتوفر له مقعد في الجامعات الرئيسية يجد مكاناً في جامعة إقليمية، وإن لم يجد مكاناً في جامعة إقليمية يجد مكاناً في أحد المعاهد العليا، وإن لم يجد مكاناً في أحد المعاهد العليا يجد مكاناً في أحد المعاهد الفنية، وهكذا تتوفر أمامه عدة طرق يسلكها حتى يكمل المشوار باتجاه تحقيق ذاته ومستقبله، لكن رغم وفرة الإمكانيات لدينا ولله الحمد، ورغم أن تعداد الطلاب لدينا ليس بالحجم الذي يوازي دولاً أخرى شقيقة، يتكرر المشهد المأساوي كل عام، ويضيع مستقبل العديد من الشباب والفتيات كل عام، ويزداد عبء البطالة على الدولة كل عام، ونفقد طاقات نسبة كبيرة من شبابنا كل عام.
فإلى متى سيظل هذا الوضع؟
إنه مجرد سؤال نطرحه على الجهات المعنية على أمل أن تعاد صياغة الأفكار القديمة، ونجد حلاً عقلانياً لمشكلة عواقبها يمكن أن تكون وخيمة على المجتمع.
|