تبنت كوندوليزا رايس مستشارة الرئيس الأمريكي المعروفة عموماً بالتشدد نهجاً متسامحاً في محاضرة لها مؤخراً عن سياسة بلادها تجاه العالم الإسلامي، حيث أقرت بجملة من الأخطاء الكبرى التي فاقمت من سوء الصورة الأمريكية في العالم الإسلامي مشيرة تحديداً إلى أخطاء الدبلوماسية، وداعية إلى أهمية التفهم الأوسع للآخرين قائلة إن بلادها لم تفعل الكثير للتواصل مع أكثر من مليار مسلم مؤكدة أن التفاعل يجب أن يكون في شكل حوارٍ وليس في شكل حديثٍ من جانب واحد..
وليست رايس هي الأمريكية الوحيدة التي تقر بأخطاء السياسة الأمريكية تجاه المنطقة لكنها قد تكون الشخصية الرسمية الأولى التي تتحدث بهذه اللغة الانتقادية والتي تعترف بالهوة الواسعة التي تفصل بين بلادها والعالم الإسلامي والتي تتحدث عن حديثٍ في اتجاه واحد من قِبل واشنطن للآخرين..
وقد اعتبرت هذه السيدة في معسكر الصقور في إدارة بوش لكونها تتبنى مع آخرين نهجاً غير تصالحي مع الذين خلقت منهم أمريكا أعداء لها بسبب ذات الأخطاء التي عددتها رايس، وقد بلغت هذه الحالة السلبية بين أمريكا والعالم الإسلامي ذروتها في عهد الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش..
وكان لافتاً إقرار رايس بأن الملايين التي أنفقتها واشنطن لتلميع صورتها من خلال الإعلام لم تفلح في الوصول إلى الهدف، لكن المسؤولة الأمريكية لم تشأ أن تضع يدها على المشكلة الحقيقية المتمثلة بشكل خاص في أن الناس في العالم الإسلامي معنيون بالأفعال قبل الأقوال، وان فعلاً إيجابياً تجاه القضية الفلسطينية يمكن أن يرفع أسهم أمريكا عشرات المرات أكثر مما يمكن أن تفعله محطات تلفازية يجري تمويلها بعشرات الملايين من الدولارات وحشد عشرات الوجوه الإعلامية فيها..
ويتعيّن على الولايات المتحدة الانكباب بطريقة عملية على تصويب الأخطاء، وهي تستطيع أن تفعل الكثير في هذا المجال، وما دامت مستشارة بوش تعتقد بأهمية هذا التصحيح في إنجاز الكثير، باعتبار أنه حتى الصقور باتوا مقتنعين بأهمية التعامل بصورة أكثر عقلانية مع العالم الإسلامي..
لكن تشدد رايس قد يكون مجرد موقف مخفف أمام مواقف أخرى أكثر تشدداً قد تكون لها الغلبة في رسم كامل السياسات..
لقد أفسدت تداعيات هجمات سبتمبر الإرهابية وبالذات ردة الفعل الأمريكية عليها الكثير من أوجه التواصل، ومن ثم جاءت حرب العراق بالكثير من التفاصيل التي ألقت بالمزيد من الظلال السلبية على علاقة متدهورة أصلاً..
ومن المفيد الآن أن تتحول مقترحات كوندوليزا رايس إلى إجراءات عملية، لإطلاق الحوار والتفهم الأعمق للمسلمين من خلال، ما تقول رايس، دراسة لغاتهم وتاريخهم وحاضرهم وأحوالهم المجتمعية، فهي ترى أن مثل هذا التوجه من شأنه ترسيخ نهج سوي في العلاقات بين الجانبين..
ومن المهم أن تحافظ الأستاذة الجامعية على هذه العودة إلى النهج العلمي في تناول الأمور وأن تتغلب شخصيتها العلمية على النهج الانفعالي الذي تميزت به سياسة إدارتها تجاه الكثير من المواقف خصوصاً إزاء العالم الإسلامي.
|