إن الباعث إلى هذا الشجن المتجدد، حديث الأمير محمد بن سعود بن عبدالعزيز، المنشور في إحدى صحفنا يوم الثلاثاء 18-5-1425هـ، بعنوان : (اللغة العربية.. لغتنا الخالدة.. ولعلي أقول: إن الخلود يعني في حقيقته الحياة.. ولقد كانت كلمة الأمير محمد بن سعود، كلمة رجل غيور على لغة أمته، ومرد تلك الغيرة، أن الأمير كتب رأيه بعد أن رأى وسمع آراء بعض المثقفين والأكاديميين بإحدى القنوات الفضائية، من خلال برنامج ألقت به المحطة للنقاش حول تطوير اللغة العربية.!
* واستاء الأمير مما سمع من المتحاورين الذين أساءوا إلى لغتنا ولغتهم، إذ يرون حسبما تحدث الأمير، أن المتحاورين أرادوا تجريد لغتنا من هويتها، ذلك أنها لم تعد - في رأيهم - تواكب مستجدات الحياة، وأنه ينبغي التخلي عنها والاهتمام بلغة التقدم الشائعة.. إن الذي يدلي بهذه الآراء عدو لهذه اللغة السامية، وجهول لقيمتها التي لم يستطع أن يعيها والتحدث بها لأنه عاجز.. والخطر حقاً أن يأتي الخوف والمصادرة من شيعة اللغة، لا من أعدائها.!
* رغم أني لا أعذر ولا أقبل وأمثالي الغُيُر على لغتنا الخالدة، إلا أن التقصير والإهمال، مرده - نحن -، مدارسنا، جامعاتنا، معاهدنا، ولو كان لي من الأمر شيء، لشددت في النجح في اللغة العربية في كل المراحل، رغم كل ظروف زحام المدارس والدراسات الجامعية.. ولو كنا مخلصين ونغار على لغتنا، لألقينا نظرة على حال اللغات الأخرى وتدريسها عند أهليها، هل يستطيع أحد أن يقول: إنهم متسامحون في إتقانها وإجادتها؟ وهل يستطيع أن يقول: إن خطيبا في الغرب وكاتب يتسامح معه في الإخلال بلغته ووقوع أخطاء فيها، كما هي حالنا في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا؟
* البدء من البداية، نحن مفرطون ومقصرون، وندرك ذلك، أعني في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، ومع ذلك فنحن صامتون، لا نصلح ولا نعالج، إنه الإهمال الذي لا يمكن السكوت عنه، وإني لمضطر أن أنقل نعي لغتنا إلى مجلس الشورى الموقر، عساه يدرج هذه القضية الخطيرة في برنامج حواراته وإصلاحاته، ثم يصدر قراراً ملزماً، يرفعه إلى أولي الأمر فينا بالغيرة على لغتنا، من خلال تدريسها في كل مراحل التعليم، وكذلك في التوظيف، فلا يمارس أحد وظيفة إذا لم ينجح في العربية بإجادة.
* وكم أتمنى أن ترصد جوائز للغة العربية، من البنوك والمؤسسات وغيرها من واقع المواطنة والغيرة على لغتنا، من واقع حق لغتنا علينا، ومن واقع مسؤولياتنا، وصدق المتنبي القائل:
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام |
* أي عيب نعايش نحن أهل العربية، على دراية ومسمع على كل المستويات، إن لغتنا مهددة من الداخل بأيدينا تؤد، ومع ذلك فنحن صامتون صمت أبي الهول! فمتى نغار على ثروة وقيمة يبلغ عمرها أربعة آلاف سنة، لغة جميلة غالية، كنز نفرط فيه ونحن نجري وراء حطام الدنيا، وأشياء لا قيمة لها، لأنا نفكر بأمزجتنا وأهوائنا، وليس من واقع الأمانة التي تحملنا تبعاتها، وقد سعينا إلى أن ننالها، فهل نعي قيمة الأمانة؟
|