Saturday 21st August,200411650العددالسبت 5 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
ضيق الأفق في سعة الأثير
عبدالرحمن صالح العشماوي

على مدى ساعة كاملة عبر الأثير، كانت ذرات الفضاء تضيق بحديث إذاعي بين المذيعة وضيفتها المعلمة، وكان حظي وأنا في سيارتي أن استمع إلى ذلك الحديث الذي طرحت فيه المذيعة قضايا تربوية مهمة بطريقة عشوائية تشبه طريقة المجالس المفتوحة التي يقول فيها كل من يحضرها ما يشاء دون تحقيق ولا توثيق، وشعرت في تلك الساعة بعشوائية بعض البرامج الإذاعية التي تعتمد على الثرثرة في كل موضوع يخطر بالبال، وكأن الساعة رخيصة إلى هذه الدرجة التي يهدر فيها وقت المستمع فيما لا يفيد، وفيما يخالف الحقيقة، ويوحي بضيق أفق في التفكير لا تتناسب مع سعة الأثير، لا بأس أن يكون الحوار قائماً على التعريف بالضيف أو الضيفة، وعرض ما لديهما من التجارب التي قد تفيد المستمع، ولكن أن يقوم الحوار على الحديث العائم عن الدعوة إلى الله، والندوات والمحاضرات الإسلامية، والخطب والمواعظ، والأشرطة والبرامج التي تهدف إلى توعية الناس دينياً، وأن يكون حواراً منفلتاً، مصوراً لرؤية ضيقة محدودة، مخالفاً للحقيقة، مناقضاً للحق الذي يعرفه عامة الناس معرفة لا تحتاج إلى إعمال فكر، أو كد ذهن، فإن المسألة هنا تحتاج إلى مراجعة، وتحتاج ممن أجاز ويجيز مثل هذه البرامج أن يراجع نفسه ويحاسبها، وأن يحترم عقل المستمع ويقدر فهمه، وتحتاج من معد ومقدم مثل هذه البرامج أن يكون على مستوى المسؤولية العلمية والثقافية، وعلى مستوى الوعي الإعلامي المطلوب في هذه المرحلة.
إن للبرامج الإذاعية رسالة أكبر من الثرثرة، والكلام العائم المصادم للحق، الذي لا يخدم ديناً ولا أمة ولا وطناً، ولا يقدم رؤية حضارية واعية للقضايا التي تستحق المناقشة.
قالت المذيعة لضيفتها المعلمة المربية: ما رأيك في المحاضرات الدينية التي تقام في المدارس، وتوزيع المطويات الإرشادية، والكتب الصغيرة التي تتناول بعض المعلومات الشرعية والفقهية والدعوية، وما رأيك في الأشرطة التي تحمل بعض المحاضرات والندوات في مجال الدعوة إلى الإسلام وأحكامه؟ ألا ترين أنها غير مناسبة وخاصة أننا (مسلمين) نعرف ربنا وديننا؟ هكذا طرح السؤال وكان أطول من هذا بكثير، وكان محملاً بالأخطاء النحوية ومن أهمها إلزام جمع المذكر السالم الياء في حالات الرفع مع أنه مرفوع بالواو منذ أن جرت على الألسنة لغة القرآن إلا إذا أصبح لبعض نساء هذا الزمن رأي آخر في هذه المسألة لتعلقها بموضوع المعركة (الوهمية) الكبرى بين الذكورة والأنوثة التي يثيرها دعاة (التحرر) المغرمون بمحاربة كل أصيل ومواجهة كل قديم.
ويا ليت الضيفة المعلمة لم تتكلم، فقد انطلقت في حديث لا حدود له عن خطورة هذه المواد التي تعلم التزمت وتسوق الإرهاب، وتضايق الطالبات والطلاب، ولقد زاد حديث الضيفة بلة على ما فيه من الطين قولها: (إحنا والحمد لله مسلمات, وإذا أعطتني واحدة مطوية أو شريطاً أرفضه بشدة وأقول لها: أنا ما أنا كافرة، أنا مسلمة، ومواطنة، وأعرف ربي، وأنا ما أنا صغيرة) وغير هذه العبارات مما يدل على أفق ضيق جداً، ومما أشعرني بالأسى على مستوى بعض المعلمين والمعلمات الذين يشرفون على توجيه فلذات الأكباد.إني اعتذر إلى قرائي وقارئاتي عن نقل مثل هذه العبارات الركيكة، وأتساءل: إلى متى تظل هذه الأفكار الهجومية الضيقة تعرض عبر التلفاز والإذاعة والصحافة دون رقيب يحول بينها وبين الانتشار؟ وهل تعني المحاضرات والندوات الدعوية والدينية هذا المعنى الضيق المطروح في مثل هذا البرنامج الأثيري، وفي بعض المقالات الصحفية لكتاب وكاتبات يحاربون هذه الوسائل الدعوية بعشوائية لا يقبلها الوعي الحضاري.وهل تعني كل موعظة، أو شريط نافع، أو مطوية مفيدة، أو ندوة دينية أن الذين توجه إليهم غير مسلمين، وغير مثقفين، وغير ملتزمين؟
عجباً لهذا الفهم القاصر، وهذه الرؤية الضيقة!
إن كل إنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة والتدين بحاجة إلى الموعظة والتذكير، ونحن نعرف أعداداً كبيرة من عصاة المسلمين، ومن أصحاب الانحراف الفكري والسلوكي منهم عادوا إلى طريق الصواب والهداية بفضل الله ثم بفضل هذه الوسائل الدعوية النافعة.
يا أصحاب الوعي والبصيرة في وسائل الإعلام، إن طرح مثل هذه الأفكار الضيقة عبر وسائلكم لايخدم المجتمع، ولا الوطن، ولا الأمة، وإنما يرسخ (ضيق الأفق، وسطحية التفكير) ولا أظن الرسالة الإعلامية الراشدة ترضى بذلك.إن الإرهاب شيء، ووسائل الدعوة إلى الله شيء آخر، وليس من الوعي ولا الأمانة أن نجعل (الإرهاب المعاصر) مشجباً نعلق عليه كل نقد عشوائي يوجهه كل ذي أفق ضيق إلى ديننا ووسائل دعوتنا.
إشارة:


من عيوب الأنام أن يتساوى
منهج الحق والركام الحقيرُ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved