الكتاب: Romy Schneider
المؤلف: Emmanuel Bonini
الناشر: Pygmalion - France
من الصعب العثور على وجه يقول ببساطة إن الجمال لا علاقة له بالشكل، بل بكل ما هو طبيعي وغير مفتعل. بالنسبة إلى الممثلة الفرنسية (رومي شنايدر) فقد كانت جميلة طبيعياً، من دون أن تحتاج إلى أن تضيف إلى جمالها لوناً زائداً أو زائفاً.. الصدق الذي أرادته لنفسها ولحياتها كان كافياً كي تعيش محبوبة ومبهرة وجميلة دائماً.
بهذه العبارة يستهل الكاتب (إيمانويل بونيني) السيرة الذاتية للممثلة الفرنسية (النمساوية الأصل).. (رومي شنايدر) التي مرت على السينما الفرنسية لتصنع تألقها الحقيقي.
ربما لأن (رومي شنايدر) اختلفت عن كل ممثلي جيلها الذين غرقوا في الأدوار الجاهزة التي شهدتها السينما الأوروبية في تلك الحقبة من الستينيات متأثرين جداً بالسينما الأمريكية، بحيث أن الأدوار الفرنسية آنذاك جاءت لتصنع ما يشبه (فرنسة) الأدوار الأمريكية كما قال المخرج السينمائي الفرنسي (كلود ساجال) الذي هو نفسه لم يخف تأثره بالسينما الأمريكية في أعماله التي أخرجها منذ الخمسينيات.
ولدت رومي شنايدر في العاصمة النمساوية فيينا عام 1938 في أسرة كانت تعشق الفن كثيراً، فجدتها كانت واحدة من أكبر الممثلات المسرحيات في ألمانيا، وعمها كان مخرجاً سينمائياً كبيراً في النمسا، ليس هذا فقط بل إن والدتها كانت واحدة من الوجوه السينمائية الكبيرة في النمسا. كانت الظروف بالنسبة إليها مهيأة لأن تكون شخصاً معروفاً، ربما لأنها لجأت إلى الفن وهي بعد في الرابعة من عمرها. لم يكن لعائلتها دور فقط في دخولها إلى عالم الفن، بل شكلها أيضاً، فقد كانت رومي شنايدر جميلة طبيعياً، بحيث أنك حين تنظر إليها مباشرة تفكر بسرعة في نساء قرأت عنهن عبر التاريخ، نساء لا علاقة لهن بالحاضر وبالزيف والنفاق الحالي، بل نساء تجعلك تشعر بالاحترام الصادق إليهن من دون أن تعرف كيف ولماذا؟.. قالها المخرج (أرنست ماريشكا) الذي قدم لرومي شنايدر دوراً من أجمل الأدوار السينمائية على الإطلاق دور (الأميرة سيسي) الذي عبره فقط استطاعت أن تجلس رومي شنايدر في مكانها الطبيعي، بحيث أنها لأول مرة أعادت الفكر السينمائي سواء الفرنسي (بحكم انطلاقتها السينمائية الأولى) والنمساوي (بحكم الفكرة والإخراج) إلى العالمية.
الطفلة الصغيرة التي كانت كل مساء اثنين تقدم لمدة ربع ساعة برنامجاً تلفزيونياً للأطفال تحوَّلت إلى طفلة كبيرة واستطاعت أن تثير الاهتمام إليها. تقول رومي شنايدر عن فيلم (سيسي): حين عرض علي السيناريو شعرت بقلبي يدق بقوة، شعرت لأول مرة أنني سألعب دوراً لعبته قبل ألف عام، ذلك الدور الذي بقيت أنتظره لأنني صدقته جداً، ليس لأن الأمر كان يتعلق بالإمبراطورية النمساوية ولا بالإشكال الفكري بين النمسا وألمانيا، بل لأن الفيلم كان تجربتي الخاصة لأجل إعادة المشاهدين إلى القيم، إلى الجمال الروحي الذي نصنعه حين نفكر أننا يجب أن نتعايش مع بعض من دون ضغينة.. فالأرض تتسع لنا جميعا فلماذا نتحارب؟
في السبعينيات استقرت رومي شنايدر في إطار سينمائي فرنسي محض، لعبت مع كبار النجوم الفرنسيين، وحققت معهم نجاحاً قادها إلى السينما الأمريكية في تجربة قصيرة عادت بعدها إلى فرنسا، حيث ابنيها (دافيد)، و(سارة).
أما على الصعيد الشخصي لرومي شنايدر، فعلى الرغم من نجوميتها الكبيرة إلا أنها عاشت شبه وحيدة، على الرغم من زواجها المبكر من سكرتيرها الخاص الذي أنجبت منه سارة ودافيد، ولكن خيانته لها فتحت أمامها مواجع كانت تعتقدها بعيدة، ثم توفي ابنها دافيد وهو بعد لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، وتوفيت والدتها بعد ذلك، لتشعر رومي أنها فقدت جزءًا مهماً منها.. قالت لصديقها الكاتب إيمانويل بونيني: (أشعر أنني حزنت بما فيه الكفاية، وأن الأرض صارت ضيقة، ربما لأن الناس صارت تكره بعضها وأن الحروب هنا وهناك تمنحنا الحق في الموت كي لا نتورط مع كل المجرمين وفاقدي الإنسانية، والكارهين للحق والحياة)..
ليلة 28 مايو سنة 1982، توقف قلب رومي شنايدر فجأة، كانت في بيتها، مع ابنتها سارة، والمربية التي رافقتها إلى كل مكان.. كانت ليلة مقمرة، وكانت النهاية أشبه ما تكون باستراحة محارب كان يحتاج إلى الموت ليرتاح، فقد عاشت رومي شنايدر في زمن ليس لها، لأنها ظلت تعتقد دائماً أنها عاشت قبل ألف عام.. ظل ذلك الانطباع بمثابة العزاء بالنسبة إليها، لأنها اكتفت بمقولة أنها عاشت وانتهت.
|