Friday 20th August,200411649العددالجمعة 4 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

عندما يرثي الإنسان نفسه عندما يرثي الإنسان نفسه
محمد إبراهيم فايع / خميس مشيط

أقصى أماني الإنسان أن يعمر طويلاً، وأن يحسن الله عمله، وأن يختم الله حياته بخاتمة طيبة وحسنة. عندما أسمع بخاتمات طيبة لبعض من رحلوا عن حياتنا أقول: الله.. الله.. الله، لو يكتب الله لي مثل هذه (الخاتمة). فكم سمعت عن بعض الأشخاص الذين لاقوا وجه ربهم وهم ساجدون، وآخرون بعد أن أدوا الصلاة ثم ناموا على جنبهم الأيمن فكانت الرقدة الأخيرة، وآخرون بعد أن وصلوا أرحامهم وأدوا واجباتهم وحاسبوا أنفسهم عادوا ليستلقوا على فرشهم فكانت لحظة المنية، وآخرون لاقوا وجه ربهم الكريم وهم على فراش المرض بعد أن حط الله ذنوبهم وجعل ذلك المرض بمثابة الاغتسال من الخطايا والذنوب فقالوها لهم: (طهور إن شاء الله)، وعندما عادوا ليعودوهم وجدوا أنهم قد أسلموا الروح لباريها.
خاتمات طيبات وكريمات. قد تسألون ما السبب الذي دعاني لكتابة مثل هذه الكلمات التي قد تبدو من السوانح المؤثرة في حياة الإنسان أن يذكر الموت والرحيل؟ فأقول: بل ما أحوجنا إلى تذكر الموت وتذكر هادم اللذات وتذكر سارق الحياة، ولست أدري لِمَ استولت هذه الخواطر على بالي الآن. أقول: لربما أن الإنسان بهذا يرثي نفسه وهو حي يرزق قبل أن يرثيه الناس. ولست أدري، ولكن ابن سناء الملك يقول:


وإذا رأيت جنازة محمولة
فاعلم بأنك فوقها محمول

فكل يوم ونحن نعيشه أرى وكأننا نطل من شباك الحياة على أخبار العالم وقد امتلأ مآدب من الموت، فكل يوم نسمع عنها ونقرأها ونلحظها عبر الأخبار والشاشات في الأقنية الفضائية التي أحالت الكون لا إلى قرية صغيرة ولكن الى صالون صغير في جزء من البيت.
لقد عشنا ما فيه الكفاية كما أرى وما زلنا ولقد تلذذنا بالحياة.. وأوجعتنا الحياة.. وطرنا مع الفرح.. وقيدتنا الجراح.. وبالرغم من هذا فما زلنا نبحث عن (إكسير) الحياة لنعمر، بل نسعى خلف خرافات الأقدمين، فما زلنا نبحث عن (عين الحياة) التي أوجدها (زفس)، ثم وجدنا جدنا الشاعر المتشائم.. المعري.. يقول:


تعب كلها الحياة فما أعجب
إلا من راغب في ازدياد

فماذا يعني هذا؟ هل يعني هذا أن المعري كره الحياة.. لا؟ أم يعني أنه لا يخشى رهبة الموت؟! لا أظن هذا كذلك، ولكنه عندما أدار بصره الى كل جنبات الحياة وجدها باسمة وباكية، وجدها صحيحة وعليلة، وجدها مليئة بالحبائب وبالمصائب، وجدها خليطاً من الفرح والترح، من السعادة ومن الشقاء، فعاشها بالطول والعرض كما يقولون حتى (تعب). هذه فلسفة المعري، وهي نفس الفلسفة التي جمعتني به، ولكن هذا لا يعني أننا نكره الحياة، بل نعشق الحياة، ولكن عشق الحياة لا يجب أن ينسينا أننا موعودون بالرحيل. هذا ما أردت الوصول إليه.. ومن أجل هذا أنا اليوم أرثي نفسي.. إنها فلسفة قد لا تروق للبعض، ولكنها ولدت على الورق لتبقى.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved