Friday 20th August,200411649العددالجمعة 4 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

تسامحوا تدوم العشرة تسامحوا تدوم العشرة
وصايف إبراهيم الخويطر

عندما تجد نفسك في ليل طويل يرفض الرحيل.. وشتاء موحش تزداد قسوة برودته.. وأنت وحدك تحت أمطار الحقد الثقيل.. وبرق اللوم.. وثلوج الانتقام اللاسعة.. يمرض قلبك.. تخفض رأسك.. صوت الضمير داخلك.. البس ملبس النسيان.. واقترب من المدفئة.. لتشعر بدفء التسامح.. ولذة العفو.. ففي هذا الزمن إذا لم تسامح وتغفر للآخرين أخطاءهم.. فأنت بحاجة لزراعة قلوب أخرى بجانب قلبك.. فقد امتلأ القلب غلاً.. وطفح ملامة وانتقاماً.
فيا عجبي على الناس... لم مازالوا يحقدون؟... ويحملون ملامات ووعيداً طوال حياتهم..رغبة في الثأر ورد الاعتبار - كما يظنون - ولكن مع الأسف ما لا يعلمه البعض أن أضعف الأشخاص هم الأشخاص المنتقمون والحاقدون.. فتراه في حالة قلق دائم وترقب وترصد للطرف الآخر لصيد زلة أو خطأ أو عثرة لسان.. حتى يستخدمها ضده.. ويثير القصص حولها ويجمع الناس عليه.. في رأيكم أليس هذا ضعفاً وانهزاماً؟
والمشكلة أيضاً.. أن بعض الناس تتبع هذا النهج والأسلوب باسم الدين.. فترى إحداهن تقول: (لن أسامح فلانة لأنها دعتني إلى الزفاف ولم تخبرني أن هناك موسيقى) !! وتحمل ذلك الموقف في قلبها طوال عمرها.. وذلك على سبيل المثال لا الحصر، والأمثلة كثيرة ولكنني - ولله الحمد - (أنسى)؛ لذلك لا أذكر حالياً أي موقف يحضرني.
ألم يضرب لنا رسولنا الكريم - عليه الصلاة والسلام - أكبر أمثلة للعفو والتسامح؟ أين أولئك الناس عنها ولمَ لا يراجعون مسيرته المثالية ليدركوا مدى سخف مواقفهم وصغر عقولهم؟.. هل نسوا جار الرسول اليهودي الذي كان كل يوم يرمي القاذورات أمام بيته..حتى جاء يوم خرج فيه الرسول ولم يجد أياً منها فاستغرب وعندما سأل عنه وجد أنه مريض فدخل عليه وعاده وسأل عنه وعن صحته وحالته! .. هذا الموقف العظيم وحده من المفترض أن يهز كيان المسلم ويولد عنده رغبة شديدة في التسامح والعفو واللين.. اقتداء برسولنا الكريم.
يقول المقنع الكندي:


أراهم إلى نصري بطاء وإن هم
دعوني إلى نصر جئتهم سندا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدَ

كم هي رائعة تلك الأبيات التي سطرها المقنع.. وكم هي قريبة إلى قلبي لدرجة أنني وضعتها داخل برواز في مكتبي.. لأتذكر دائماً أن القلوب الكبيرة لا تحقد أبداً.. والعقول العظيمة.. عبارة عن مجلدات تفتح صفحة جديدة كلما وجدت نقطة سوداء فيها.. وأن أعالي القوم ورؤساءهم لا يعرفون كيفية الانتقام.. قد يولد داخلك شعور بالغرور.. ولكن ما أجمله من غرور يجعلك تترفع عن هذه المشاعر البغيضة التي لا ينتج منها إلا الأمراض وقصر الأعمار.
فاعتبروها إخواني وأخواتي دعوة للعفو عن كل من أخطأ بحقك.. أو ساءت أموره معك.. وإذا ما زالت رغبة الانتقام تتخبط في صدرك.. وتدور في عقلك.. فتسامح... فالتسامح هو أحسن وسيلة للانتقام. وكما قالوا قديماً: (أعظم الانتقام.. أن تغفر وتسامح).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved