أعجب لمن يدعو إلى تنظيم، أو تحديد النسل بدعوى أن الزيادة السكانية تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي، وبحكم ثقافتي الاقتصادية أرى أن مثل هذه الدعوى هي معالجة سطحية لمشكلة النمو السكاني، وهي، ان جاز التشبيه، معالجة الجاهل بالأمور او العاجز عن مواجهتها، وكلتا الحالتين تعكس هروباً من الواقع وضعفاً لا يقبل في عصر القوة.
عناصر الإنتاج في الفكر الاقتصادي التقليدي تتكون من عناصر ثلاثة، هي رأس المال، الموارد الطبيعية، والموارد البشرية، وفي الفكر الاقتصادي الحديث يضاف إلى ذلك ما يسمى بالمنظم او المطور الذي يمكنه ان يصهر هذه العناصر الإنتاجية الثلاثة في بوتقة الإنتاج، أي أن الفكر الاقتصادي الحديث قد تجاوز مسألة تأثير وفرة أو نقص بعض الموارد الاقتصادية على العملية الإنتاجية وانعكاس ذلك بالضرورة، على النمو الاقتصادي، بمعنى ان المنظم او المطور يستطيع أن يعيد خلط عناصر الإنتاج ليحافظ على مستوى الإنتاج على اقل تقدير، بحيث يتم استبدال عنصر بآخربنسب تتفاوت وطبيعة العملية الإنتاجية ولعل هذا الاستبدال هو أحد معطيات التقنية الحديثة التي اسهمت بشكل كبير في حسن استغلال واستثمار الموارد الاقتصادية المتاحة.
ما أود أن أخلص اليه من هذه الرؤية هو الرد على من يرى أن مشكلة تراجع النمو الاقتصادي في كثير من الدول النامية يعود، فيما يعود من أسباب، إلى معدل نمو الزيادة السكانية الذي يفوق معدل نمو اجمالي الناتج القومي، ويرى اصحاب هذا الرأي ان معالجة هذا الخلل يجب ان تبدأ بالحد من الزيادة السكانية حتى يحقق الاقتصاد نمواً ايجابياً، وفي رأيي ان مثل هذه المعالجة لا تؤدي إلى حسن استغلال واستثمار الموارد البشرية كأحد عناصر الإنتاج المهمة في الاقتصاد بل انني أرى ان مثل هذا الحل يؤدي إلى وأد هذه الموارد، وسينعكس ذلك بالضرورة على قدرة الاقتصاد على زيادة الإنتاج في المستقبل، ذلك لأن الموارد البشرية، كعنصر من عناصر الإنتاج، يمكنها ان تؤدي إلى زيادة الإنتاج اذا احسن استغلالها واستثمارها لتكون عنصراً فاعلاً، وتتم هذه العملية بوجود المنظم او المطور الذي يعرف كيف يمكن ان يستغل او يستثمر هذا العنصر بشكل أمثل.
ولذلك فإننا اذا اردنا ان نشخص مشكلة تراجع النمو الاقتصادي في كثير من الدول النامية، فإن علينا ان نبحث في أسباب غياب المنظم او المطور، ولعل هذا يعود إلى أسباب جوهرية ترتبط في المقام الاول بغياب العمل المؤسسي الذي يمكنه ان يبني ويطور آليات تفعيل الموارد الاقتصادية وفق أسس علمية موضوعية تتجاوز السياسات الفردية الارتجالية التي لا تحتكم إلى أسس اقتصادية، وفي علم الاقتصاد تعتبر الموارد البشرية ثروة اقتصادية، والنمو الاقتصادي يرتبط بهذه الثروة بشكل مباشر، والثروة نعمة اذا احسن استغلالها واستثمارها، وهذا هو التحدي الحقيقي.
|