Friday 20th August,200411649العددالجمعة 4 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

لا نريد وساطتكم ولا وصايتكم أيها الرجال لا نريد وساطتكم ولا وصايتكم أيها الرجال
مي سالم عبدالله / رجال ألمع

لا يتقن الكتابة عن هموم المرأة إلا المرأة، هذه حقيقة لا مجال فيها للشك. إلا في مجتمعنا، فقد تمكن الرجل من أن يكتب عن هموم المرأة، وبجدارة هائلة فهل هذا يعني أن الرجل استأنث؟ لا على الإطلاق بل إن الرجولة في أجل وأجمل صورها مترجمة في مجتمعنا، فلماذا هذا الاستثناء؟ لأنه (الرجل) مرافق للمرأة في الحصول على جميع متطلبات حياتها. فلم يعرف إلا صابرا وصبورا لأنه الوسيط بين الأنثى ولبسها وأكلها وشربها وزينتها وعلمها وثقافتا و.. وكل شيء.
التبني في الإسلام محرم، ولكن بما أنني أتواصل مع السياسة عن طريق قناتي الجزيرة والعربية، وأتواصل مع أدب اليوم والليلة عن طريق الصحافة، وأتواصل مع أدب العصور القديمة والحديثة عن طريق الكتاب، وبهذا يكون الطرف الثاني الذي أنا أعيش معه في حياة كهذه عبارة عن جمادات فقط، وهذا ما لم أطقه، فلم أملك إلا أن أبحث عن متبن سواء مؤسسة أو شخصا - ليس في النسب بل في مجال الأدب والفكر والثقافة، وقد يتساءل البعض ما هو دور المتبني لأنثى لا تزال في مراحل الحبو في مجال تعشق غياهبه، وفي مجال تجد في شقائها فيه هناءها الفكري وهناءها العاطفي وهناءها الروحي.
سيكون دوره أولا منح فرصة الحوار والمناقشة وطرح الأسئلة والاستفهامات التي تختلج في داخلي تجاه كل مناحي الحياة الأدبية شعرا وقصة ومقالا ورواية.. منح فرصة الحديث عن رموز الأدب العربي ابتداء من المعلقات وانتهاء بمشاركات القراء في صحافتنا، العمالقة منهم ماذا منحهم هذا المجال وماذا أخذ منهم؟ ماذا منحتهم مجتمعاتهم، وماذا أخذت منهم؟ المناقشة في نقدهم نقدا مبنيا على أسس علمية ومنطقية، وفي نفس الوقت نقد مبني على وجهة النظر الشخصية الخاصة لهذا المتبني؟؟ مع ملاحظة أنني أطالب هذا المتبني ألا يكل ولا يمل.. ولا يضجر ولا يسأم مني ومما يسير على قارعة طريق أفكاري وأسئلتي وقراءاتي فقد يستثيرني بيت شعر قرأته لا أملك كبح جماح الرغبة في مناقشته في أجواء أدبية مشبعة بعشاق هذا المجال، وقد يستثيرني كتاب فأرسله فورا مزيدا بإهدائي ومذيلاً بطلبي لقراءته، ومن ثم مناقشة محتواه معي. انطلاقا من أننا كلنا ذو عقول وذوو فكر وذوو ألسنة متكلمة بارعة نابغة ولكنها منظومة وضعت المرأة في الجانب المتواري البعيد المظلم.. مما جعلها تعيش في عزلة حرمتها الهواء الطلق النقي.
أيضا من مهام هذا المتبني أن يقرأني؛ يقرأ لي إنتاجي الأدبي ويحتضنه إن رضي عنه يصفق لي إن رآني - من خلال عينيه المطلة على ساحات الأدب والفكر التي أنا بمنأى عنها - متفوقة أو مبدعة، يقومني، ولكن بما يحفظ لي وجودي ككيان خلق من ضلع أعوج ليس هناك مناص من قبوله على اعوجاجه لأنني أعرف يقينا كيف أشعل النور في غياهب الظلام، وكيف أبعث الأمل في غياهب الكرب، وكيف ألج هذا الباب، وأنا واثقة الخطى تلك الثقة التي مصدرها أرضية صلبة من الثقافة والنضج والوعي الذي يؤهلني لها.
وبناء على المهمة السابقة من مهام هذا المتبني تتبعها المهمة التالية، وهي إيصال هذا النتاج على اعتبار أنه الثمرة الملموسة لهذا التواصل إلى أروقة الصحافة ومتابعته ورعايته، من هناك فقد يضل الطريق فيصل إلى صفحة غير الصفحة التي يفترض أن ينشر فيها ويموت تحت مكاتب الصحفيين أو يتعثر فيصل منهكا متقطعا غير قابل للنشر، وهذه الرعاية تكون بتبنيه - كما تبنى صاحبته - وبرسم الوصاية عليه لأن ما ليس عليه توصية قد يصل، ولكن يسقط سهوا أو قد يصل أيضا، ولكن يؤجل نشره أو ألا يكون قد وصل من الأساس في ظل هذه المتاهة كيف لي متابعة نشر مقال، وأنا الأنثى التي تخدشها نبرة صوت الرجل على الهاتف، فكيف بسخرية أو تهكم أو الرد بغرض تمشية الحال.
ومما أبحث عنه في ذلك المتبني مناقشة أهل الصحافة في حالات الحذف والإقصاء لبعض الكلمات أو الفقرات الواردة في المقال في حين أنني أعرف مساحات الحجر.. آه.. عفوا أقصد مساحات الحرية التي أتحرك فيها وبالتالي لن يكون هناك مبرر سوى المساحات المتاحة بالرسم على صفحة الصحيفة وهذه معضلة وكارثة أن يتحكم في غزارة كتابتنا (فكرنا) أو قلتها المساحة. بتعبير آخر حماية كتابتي من عمليات البتر التي يمارسها الصحفي في قراءة سريعة لا تتجاوز خمس دقائق، في حين أنني أرى أن كل كلمة تكاد تكون مولوداً جديداً رأى النور بعد أن كدت أفقد الحياة بسببه.. فلم ولن تكون الكتابة الحقيقية في يوم من الأيام إلا عملا شاقا متعته تتناسب طرديا مع شقائه.
يا سادتي يبقى السؤال المعضلة كيف تكون وسيلة التواصل مع هذا المتبني سواء كانت كاتبة بارعة من كاتبات هذا الوطن اللاتي شققن طريقهن في منطقة وعرة متصخرة ملغومة، أو كان كاتبا واعيا ناضجا بما يمكنه من التعامل مع الأنثى على أنها عقل وفكر.. في ظل رغبتي في أن أكون تلك الكاتبة التي يسمع صدى فكرها في الآفاق، وفي الوقت ذاته تلك الأنثى المصونة المصانة التي لا يخدش أنوثتها شيء، ولا يسحب أستار الحياء الذي تتزين به شيء، أيضا في ظل رغبتي أن أبقى مثل ثمرة تفاح في شجرة عالية يرى لمعانها وجمالية تكونها ونضجها، ولكن لا تطالها الأيدي والألسن.. حتى لا تداس بالأقدام فتتسخ وتفقد لمعانها ويتحول نضجها إلى تعفن، هل هي معادلة صعبة؟ لا أعرف! ولكن ما أعرفه يقين المعرفة أنني أحيا في تخبط وفي صراع عجزت عن مداواته، فالكتابة أصبحت تمثل بالنسبة لي قضية إما أن أحياها، وإما أن أقتلها في داخلي وهذا ما لم أتمكن منه.. وحياتها تعني لي أن أبكي وأصرخ وأثور أو أضحك بصوتي كله وأسخر.. المهم أنها تعصرني وتضنيني وتشقيني شقاء مضرجا بدماء جروح الوحدة والقسوة والجوع والعطش إضافة إلى الإحساس بألم الشقاء.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved