* الجزيرة - خاص:
شهد العامان الماضيان تنظيرات كثيرة حول ظاهرة الإرهاب، ولاسيما بعد اكتواء عدد من الدول الإسلامية بنارها، ورغم كثرة التفسيرات لأسباب هذه الظاهرة وتباين الأطروحات في تحليلها واقتراحات سبل مواجهتها، إلا أن قلة قليلة من هذه التفسيرات هي التي تعاملت مع ظاهرة الإرهاب بموضوعية، وتناولت أسبابها بأسلوب علمي ومنهج تحليلي وتاريخي منضبط، دون أدنى تهويل أو تهوين، وطرحت كذلك وسائل التصدي للإرهاب على ضوء تعاليم ومبادئ الشريعة، دون أدنى تجاوز.
ود. مصلح الصالح أستاذ علم الاجتماع الجنائي واحد من أبرز المهتمين بدراسة الإرهاب على أسس علمية، وله مساهماته الراقية في تحليل أسبابها، ولعل أحدثها كتاب (ظاهرة الإرهاب المعاصر) بالإضافة إلى موسوعة شاملة عن الإرهاب والعنف يعكف عليها حالياً، يتناول من خلالها طرح رؤية إسلامية لعلاج ظاهرة الإرهاب، والتصدي للرؤية الغربية التي تسم العرب والمسلمين بالإرهاب، وتخلط بين المقاومة المشروعة للاحتلال والإرهاب، حول رؤيته لظاهرة الإرهاب وأسبابها وطرق مواجهتها كان لنا معه هذا الحوار:
* بداية نسأل عما وقع في العديد من الدول العربية والإسلامية، ومنها المملكة العربية السعودية مؤخرا من عمليات إرهابية ومخططات إجرامية تسببت في سقوط عدد كبير من الأبرياء ما بين قتيل وجريح وإتلاف كثير من الممتلكات الخاصة والعامة للمجتمعات والدول، إلى ماذا تعزون ذلك؟ وهل يمكن وصف هذه الأعمال مع تزايدها بالظاهرة؟
- حقيقة أن عددا من البلاد الإسلامية تعاني من موجة من الغلو في الدين، وقد اقترن هذا الغلو بالعنف فوجدت القوى المعادية للإسلام في ذلك ضالتها المنشودة لتشويه سمعة الإسلام وأخذت وسائل الإعلام المادية للإسلام في مشارق الأرض ومغاربها تتحدث عن الغلو في البلاد الإسلامية الذي تسميه التطرف الديني، وربطت بين التطرف والإرهاب من أجل تنفير الناس من الإسلام وأهله، لا شك أن الغلو الذي تعاني منه بعض البلاد الإسلامية لم يحدث من فراغ، وإنما هناك أسباب متعددة ينبغي تشخيصها من خلال نظرة متكاملة لهذه الأسباب بداية من التربية في مراحل الطفولة وبيئة الأسرة مرورا بالظروف الاجتماعية والاقتصادية ومستوى الوعي الفكري وغيرها من الأسباب.
ويعود الغلو في حياة المسلمين المعاصرة بالدرجة الأولى إلى سوء فهم الدين وضعف البصيرة وسوء الفهم، هذا ناتج إما عن اجتهادات المغالي نفسه أو من اجتهادات إمامه، وهذا يعبر عن جنوح الفهم عن الرؤية الصحيحة لحدود الدين وضعف البصيرة، هذا لا يعني الجهل المطلق بالدين بل يعني نصف العلم الذي يظن صاحبه أنه دخل زمرة العلماء وهو يجهل الكثير من أمور الدين.
كما أن من أسباب الغلو في الدين عدم تطبيق الشريعة الإسلامية والحكم بغير ما أنزل الله في كثير من البلاد الإسلامية، وقد تبين أن لهذه المشكلة جذورا نفسية تمثل ردة فعل لأوضاع خاطئة كالحكم بغير ما أنزل الله، لذلك فإن الغلاة يشتكون ويطالبون بتصحيح تلك الأوضاع ويعبرون عن مطالبهم بأسلوب غير شرعي وهو العنف.
أما وجود بعض الشباب المغالين في بلاد الحرمين الشريفين التي تطبق الشريعة الإسلامية في جميع جوانب الحياة فيسفر هذا الاندفاع القوي من دون بصيرة، وترافق هذا الاندفاع حركة متسرعة هوجاء يصاحبها تعمق محدود واضطراب في الرؤية وفساد في تصور الحقيقة، ووجود هوة واسعة وعميقة بين علماء الدين والشباب، والغلو (أو التطرف) يعبر عن سوء فهم لحقيقة الدين وضعف البصيرة بحقيقته.
ومن أسباب الغلو أيضا في كثير من البلاد الإسلامية التضييق على الإسلام وفتح المجال للاتجاه العلماني ومصادرة حرية الدعوة إلى الإسلام باعتباره عقيدة ونظام حياة، وهذا الضغط على الدعوة والدعاة ومحاصرة العمل الإسلامي من أبرز الأسباب التي تدفع إلى التطرف يضاف إلى ذلك استخدام العنف في معالجة الغلو.. وقد تعددت صور العنف هذه من قتل وتشريد وسجن وغيرها.
ومن أسباب الغلو في الدين أيضا الرغبة في الكيد له والعمل على تشويه سمعة المسلمين فبعض الغلاة في الدين منافقون يندسون لإفساد مفاهيم الدين وتحريفها، فالغلو في الدين خروج عن حدود الدين مع زعم الانتماء إليه وشدة الولاء له.
من أسباب الغلو والتشدد أيضا الاعتقاد الخاطئ عند بعض المسلمين بأن الغلو يخدم الدين، والواقع أن في هذا العمل تجنياً على دين الله وتعديا لحدود أحكام الله، والدين الإسلامي دين اليسر والسماحة قال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
وهناك أيضا الفراغ الذي يعيشه هؤلاء الضالون ولا يعني ذلك فراغ الزمن فقط بل الفراغ الروحي والفراغ الفكري يوجد مثل هذه التبعيات المختلفة.
وللغلو والعنف أسباب أخرى في بعضها خلل فكري، وهذا أمر عرفه الإسلام منذ فجر تاريخه (فئة الخوارج) وهي الفئة التي صحت فيها الأحاديث من عشرة أوجه كما يقول الإمام أحمد (كانوا كما جاء في الحديث يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وقيامه إلى قيامهم وقراءته إلى قراءتهم، ومع هذا يدعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام، ويمرق أحدهم من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فالخلل ليس في ضمائرهم، فالناس طيبون ومخلصون ومتعبدون، ولكن الخلل في أدمغتهم الخلل في عقولهم.
* مع تزايد ظاهرة الإرهاب إذا جاز لنا التعبير - في المجتمعات العربية والإسلامية - يلاحظ أن هناك قصوراً في دراستها من قبل مراكز البحوث والدراسات المتخصصة في مجال السلوك الفردي والاجتماعي، في نظركم ما هي أسباب هذا القصور؟
- يجب أن نعترف أنه ما زالت الجهود المبذولة لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة فردية، علماً بأن البحوث الميدانية لدراسة الظاهرة قليلة بل نادرة، وتتركز معظم الجهود على بحث الظاهرة في إطار المؤتمرات الإقليمية والدولية، ورغم أهمية تناول الظاهرة على هذا المستوى إلا أن ذلك غير كافٍ، ولا تخفى الخصوصية التي تحيط بالظاهرة في مجتمع دون آخر، فالمجتمعات الغربية مثلا تشترك في مجموعة من القيم والمبادئ الموجهة للسلوك تختلف عن تلك السائدة في مجموعة الدول العربية والإسلامية، لذا من الصعب تعميم الأحكام على جميع المجتمعات بصرف النظر عن ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ولا شك أن مراكز البحوث في الدول الغربية تهتم كثيرا بالدراسات الميدانية لظاهرة الإرهاب فضلا عن الظواهر الاجتماعية الأخرى، وذلك لما تجده من رعاية ودعم من الحكومات والمنظمات في تلك الدول، حيث يستفاد من نتائج تلك البحوث في الإحاطة بهذه الظواهر السلبية لوضع السبل والوسائل والتدابير الكفيلة بمواجهتها.
ولا يفوتنا أن نذكر أن دراسة ظاهرة الإرهاب تتسم بالحساسية الشديدة باعتبارها تدخل في إطار الأمن الوطني، كما أن البحث فيها يواجه صعوبات كبيرة أهمها صعوبة الاتصال بالمبحوثين والحصول على البيانات اللازمة للبحث.
* وما مقترحاتكم لزيادة وتكثيف وتفعيل الدراسات والتشجيع على إجراء البحوث والدراسات في هذا الميدان للوصول إلى النتائج المرضية بهدف إيجاد الحلول للقضاء على هذه الظاهرة؟
- هناك عدة مقترحات في هذا الصدد أجملها فيما يلي:
1- إنشاء مركز متخصص لدراسة قضايا الإرهاب في كل دولة، ومركز آخر على المستوى الإقليمي يمكن أن تتبناه جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية ويكون من مهام المركز إجراء دراسات ميدانية محلية على قضايا الإرهاب وأخرى مقارنة على المستوى الإقليمي والدولي لوضع هذه الظاهرة موضع البحث الأمبريتي للإحاطة بالظاهرة محليا وإقليميا وعلى المستوى الدولي، وهذا المركز يكون تابعا لوزارة الداخلية في القطر والمعني، وتكون لهذا المركز ميزانية خاصة وكادر متخصص من الإداريين والباحثين في مجال العلوم الأمنية والاجتماعية.
2- من الضروري والمهم للغاية بالنسبة للأكاديميين والباحثين وكل من يعنيه الأمر مراعاة الرؤية الإسلامية للإرهاب من حيث التعريف والضوابط والتدابير التي تنظمها هذه الشريعة للوقاية من الإرهاب والإحاطة به، وهي رؤية إلهية لا يرقى إليها الشك، فالإسلام يناهض الإرهاب بكافة صوره وأشكاله ولا يعترف إلا بالأساليب البناءة لمواجهة الإرهاب.
3- من المهم للغاية وضع نظام عالمي لتداول المعلومات بين مراكز البحوث والدول حول ظاهرة الإرهاب عموما وكشف الإرهابيين المحليين والدوليين وتغذية البيانات المتعلقة بهذه الظاهرة أولا بأول.
4- من الأهمية بمكان تشجيع الباحثين الأفراد لدراسة هذه الظاهرة عموما أو جزئياتها وتقديم التسهيلات والدعم والإعانات لهؤلاء الباحثين بما يسهم في مواجهة هذه الظاهرة المستفحلة ومكافحتها.
* من خلال اهتماماتكم الكبيرة والمتواصلة بدراسة مثل هذه الظواهر الاجتماعية، ما أبرز النتائج التي توصلتم إليها في تحليل هذه الظاهرة وكيفية معالجتها والوقاية منها؟
- لا شك أن ظاهرة الإرهاب المعاصر بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من أهم وأكثر الظواهر خطورة في العصر الحديث، ومما يزيد من خطورة العمليات الإرهابية نوعية الضحايا الذين يسقطون بفعلها، والإرهاب بكافة صوره وأشكاله ودوافعه ترفضه الفطرة الإنسانية السوية لكونه جريمة ضد الإنسانية، وقد أدى تعاظم التأثير للإرهاب وتفاقم الظاهرة على المستوى المحلي والدولي في السنوات الأخيرة إلى زيادة حجم الاهتمام بالإرهاب، وذلك على مستوى الدول ومراكز الأبحاث والمؤسسات العلمية.
وبالنسبة لي فإن هذا المجال من المعرفة يقع في إطار تخصصي في الدراسة العليا أي في نطاق علم الاجتماع الجنائي، وقد صدر لي كتاب بعنوان (ظاهرة الإرهاب المعاصر) (سلسلة دراسات معاصرة رقم 14) التي يصدرها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، كما أعكف حالياً على إعداد موسوعة شاملة عن الإرهاب والعنف أحاول فيها أن أركز على الإرهاب برؤية إسلامية ومناهضة الرؤية الغربية التي تسم العرب والمسلمين بالإرهاب كما تسم كذلك بالإرهاب الكفاح المسلح المشروع الذي أقرته الأمم المتحدة للشعوب المحتلة والمغلوب على أمرها.
* يذهب العديد من الباحثين الاقتصاديين، وعلماء الاجتماع إلى أن البيئة الاقتصادية والبيئة الاجتماعية لهما دور مباشر في نشوء هذه الظاهرة، ما تعليقكم على ذلك؟
- لا شك أن الإرهاب (والتطرف والغلو) لم ينشأ اعتباطا ولم ينشأ جزافاً، وإنما له أسبابه ودواعيه المتعددة، ومعرفة السبب غاية في الأهمية يمكن على أساسه تحديد نوع العلاج، وتتنوع الاجتهادات حول أسباب الإرهاب بقدر ما تنوع أشكاله وآثامه غير أنها تصب جميعاً في عدد من مجموعات الأسباب التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- مجموعة الأسباب الاقتصادية التي يميل إليها باحثو الدول الغربية في العلوم السياسية.
2- مجموعة الأسباب السياسية المتعلقة بالغضب على منتجات النظام السياسي.
3- مجموعة الأسباب الاجتماعية الخاصة بنوبات الغضب لدى المراهقين والشباب والطبقات الدنيا والمهمشين وسكان المناطق العشوائية وفقراء الدين.
4- مجموعة الأسباب الفكرية حيث تأخذ الجوانب الفكرية حيزا في تكوين القائمين بالعنف يغلب عليها الفقه في العالم الإسلامي والفلسفة في أوروبا.
5- أسباب أخرى تنطلق من التفسيرات السيكولوجية (النفسية) والفسيولوجية للإنسان القائم بالعنف.
وتعتبر الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية أكثر استخداما في تفسير أسباب العنف من الأسباب الفسيولوجية والسيكولوجية.
* يرى البعض من المتابعين لمثل هذه الأعمال الإرهابية أنها ظاهرة عامة موجودة في دول العالم في حين يرى آخرون أنها تقتصر على دول العالم العربي والإسلامي، ما وجهة نظركم في هذه الآراء؟
- الإرهاب ظاهرة قديمة حديثة وهو سمة من سمات الاجتماع البشري ويحمل إلينا التاريخ أخباراً عديدة حول ظواهر إرهابية بداية من عصر البرديات المصرية القديمة ثم الإغريق والرومان ثم الحركة اليهودية القديمة، ثم في العصور الوسطى وعصر القرصنة البحرية، كما حفلت أوروبا في القرون الوسطى بحركات فوضوية متنوعة، ولا يخلو التاريخ الإسلامي من قيام جماعات وتنظيمات سياسية رافضة وفرق عديدة هدفت إلى تقويض النظام السياسي وإيجاد حالة من الفزع، وأشهرها فرقة الحشاشين التي حاول أفرادها اغتيال صلاح الدين الأيوبي، ولم يأخذ الإرهاب معناه الحديث إلا بظهور الدولة القومية ليبلغ أقصى درجات الخطورة في النصف الثاني من القرن العشرين وبخاصة منذ عام 1986م بعد ظهور حركة الشباب العالمي ثم تفاقمت الظاهرة في العقود الثلاثة الأخيرة بفعل ثورات المعرفة والمعلومات والاتصالات.
والإرهاب الدولي لا يمثل بدعة أو مستجدا في المجتمع الدولي، والإرهاب لا انتماء له، وأنه ليس نتاجا إسلاميا كما حاول الغرب تصوره بعد أحداث 11 سبتمبر، لذا لا مجال لمحاولة وضع العمليات والمخططات الإجرامية التي تعرضت لها العديد من الدول العربية والإسلامية بمعزل عن غيرها من العمليات الإرهابية التي تحدث في أي مكان في العالم، إلا أن ما يميز ظاهرة الإرهاب في البلدان العربية والإسلامية عن غيرها من دول العالم أن هذه الظاهرة لا ترتبط في هذه البلدان بأحادية التفسير الاقتصادي الذي يذهب إلى أنه وحده لا غيره السبب وراء الاتجاه للإرهاب إذ إن العمليات الإرهابية طالت دولا غنية ومتوسطة، ولكن يبدو أن البعد الفكري في أسباب نشأة الإرهاب في البلدان العربية والإسلامية وكأنه السائد فيها، فممارسة العنف في هذه الدول ترتبط دائما بالتطرف والغلو في الوازع الديني.
وغالباً ما تكون مقدمات الصحوة والشريعة والخروج والجهات والولاء والبراء والفتح والجزية هي السائدة في خطاب القائمين بالعنف المحرم.
وخلاصة القول: إن الإرهاب ظاهرة قديمة جديدة، ولكنها تتغير مع الزمن في وسائلها وأهدافها ونطاقها وأساليبها.
* ما أهم التدابير والإجراءات التي يمكن الأخذ بها لمكافحة الإرهاب والتطرف والوقاية منها على المستوى المحلي والدولي؟
- لا توجد استراتيجية متفق عليها لمواجهة الإرهاب، ويرجع ذلك إلى الاختلاف حول تعريف الإرهاب ومفهومه، فإذا كان الموقف العام السوي هو رفض الإرهاب نجد أن النخب السياسية والفكرية تتخذ مواقف تختلف باختلاف منظورها لطبيعة النشاط الإرهابي ودوافعه، فبعضهم يرفض الإرهاب قطعياً ويعمل على مكافحته والقضاء عليه، وبعضهم الآخر يحاول تبريره انطلاقا من الالتزام بأيدلوجية سياسية تؤيد العنف كوسيلة للتغيير الاجتماعي والسياسي، ويدعي أصحاب هذا الرأي أن الإرهاب له دور في تحرير المجتمعات المضطهدة والمستعبدة من قبل المجتمعات القوية، وساعد على هذا التفاوت أن بعض القوى الكبرى سخرت الإرهاب وبعض المنظمات الإرهابية لتحقيق بعض مصالحها في مناطق عديدة من العالم في حين أنها عدت مقاومة الاحتلال إرهاباً إذا تعارضت مع مصالحها، كما يحدث في فلسطين حالياً، وهذه الازدواجية حالت دون وجود تعريف واضح للإرهاب.. وهذا ما انعكس على تحديد أسبابه وبالتالي سبل مكافحته.
هذا ويمكن تخليص التدابير والإجراءات لمكافحة الإرهاب والغلو والتطرف في النقاط التالية:
1- إن العلماء المخلصين هم القادرون بتوفيق الله على بيان حقيقة الدين الإسلامي ويجب سد الفجوة بين العلماء والشباب الذين جنحوا إلى الغلو في الدين، وعلى العلماء أن يبينوا للشباب حقيقة الدين الإسلامي ووسطية الإسلام وخطورة الإفراط في الدين والتقصير فيه لأن العلماء أقدر من غيرهم على معالجة هذه المشكلة.
2- نشر العقيدة الصحيحة وتدريسها في المدارس والجامعات والمساجد وتدارس أهل الدعوة لها ووضعها ضمن مناهجهم يحقق للمجتمع المسلم الحصانة من الغلو.
3- إن مشكلة الغلو في جوانبها مشكلة تربوية، ومن المؤسف له أن مواد العلوم الشرعية في كثير من دول العالم الإسلامي لم تعط حقها من العناية منهجا وتأليفاً وتدريسا، وعدم إعطاء هذه المواد ما تستحقه من عناية كان سببا رئيسا لتدني ثقافة بعض الشباب الدينية مما دفع بهم إلى نوع من الإفراط أو التفريط غير مدركين أن منهج الإسلام هو الوسطية في شؤون الحياة كلها.
4- تطبيق الشريعة الإسلامية في البلدان الإسلامية التي لا تطبقها، فالحكم بغير ما أنزل الله جل وعلا سبب رئيس من أسباب الغلو في الدين الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية في شؤون الحياة كلها صمام أمان ضد أي سلوك غير مرغوب فيه إسلامياً ومنه الغلو في الدين.
5- إزالة المظاهر غير الإسلامية التي عمت كثيرا من البلاد الإسلامية فالمظاهر غير الإسلامية في بعض المجتمعات الإسلامية كانت رافدا كبيرا من روافد الغلو وجذرا رئيساً من جذوره وسبب لا استفزاز الحليم فضلا عن غيره ومنها ظاهرة السفور مقابل الحجاب.
6- أن يقوم أهل العلم وحملته وطلبته وخطباء المساجد والأئمة والدعاة بواجبهم، وكذلك المعلمون والأساتذة في المدارس والجامعات والآباء والأمهات في البيوت، وهذا يعني تفعيل دور المسجد والمدرسة والمنزل في محاربة الغلو والمرجع في ذلك القرآن الكريم والحرب على الغلاة وأصحاب الفكر الضال والأخذ بالوسطية في جميع أقوالنا وأعمالنا وسلوكنا وتصرفاتنا واجب ومنهج يجب أن ننشره بين الجميع، وأن يساهم الجميع في ترسيخه.
7- إن لوسائل الإعلام العربية والإسلامية المقروءة والمسموعة والمرئية دورا بارزا في نشر الوسطية ومعالجة ظواهر الغلو والحد منها، لكن لابد من وضع استراتيجية واضحة وشاملة، ولا شك أو لوسائل الاتصال عامة تأثيرات جليلة وواضحة في تشكيل الاتجاهات والآراء والمواقف ضمن التأثيرات المعرفية.
8- الاهتمام بالبرامج التعليمية النوعية التي تتسق وحاجة أبناء العالم العربي والإسلامي إلى العلم الشرعي المبني على الفهم الصحيح وكتاب الله وسنة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-.
9- ومن حيث الإجراءات والتدابير الأمنية:
- أن يكون للدولة استراتيجية معلنة مفادها أن الدولة لن ترضخ لمطالب الإرهاب مهما كانت تهديد الخطر الإرهابي.
- أن يكون لدى الدولة خطة تأمين قوية ومحكمة للمنشآت المهمة في الداخل والخارج.
- أن يكون لدى الدولة جهاز لجمع المعلومات على مستوى عالٍ من الكفاءة.
- أن يكون لديها وحدة أو وحدات خاصة للتصدي للمواقف الإرهابية.
- أهمية التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب.
10- ما يمكن الأخذ به لمكافحة الإرهاب على المستوى الدولي هو تفعيل الاتفاقات الدولية مثل معاهدة جنيف وميثاق نيويورك بشأن حماية الممثلين الدبلوماسيين والتعاون الدولي في تفعيل تدابير مكافحة الإرهاب كافة وملاحقة التنظيمات الإرهابية بما في ذلك الاتفاقات الإقليمية، وما يهمنا هو الاتفاقات العربية لمكافحة الإرهاب وغيرها من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة والأولى من ذلك تحقيق العدالة على الصعيد الدولي والحد من الآثار السلبية لظاهرة العولمة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفي الختام نقول: إنه يجب أن نبذل جهدا في تصحيح فهم الناس للإسلام، وهذا هو ما يعمل له تيار الوسطية الإسلامية أنه يحاول أن يقدم الإسلام الوسط، المنهج الوسط للأمة الوسط، لا يميل مع غلو الغالين ولا مع تسيب المتسيبين وإنما يقدم الإسلام رسالة وسطا كما شرعه الله عز وجل.
|