Friday 20th August,200411649العددالجمعة 4 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

الرقم الأخير الرقم الأخير

كان الشوق يشدني بقوة لهذا اللقاء الذي جاء بعد انقطاع دام العديد من السنين، راحت الذاكرة تعود إلى الوراء تدور في أروقة الطفولة والشباب في نبش محموم وعفوي لصورة الماضي تحاول عرضه وتفصيله بدقة إلا أن ذاكرتي تسرب إليها الضعف ففقدت بعضاً من الصور التي حاولت جاهداً في طرقها لكن المشهد والحدث رغم ذلك ينقطع فجأة قبل إكمال عرضه في مخيلتي، تخليت طوعاً عن ملاحقة الماضي وقفزت إلى الحاضر فانهالت الأسئلة والأفكار بشكل جارف في داخلي تبحث في أثر تراكم السنين ومعالم التغير التي طرأت في شغف وتلهف لإزاحة الستار بسرعة لكي تروي عطش تساؤلاتي الملحة والمتراصة والتي كانت تشتعل في داخلي حماساً نحو زيادة الخطى التي تصبح كسولة عندما أتوه في حلم اليقظة الذي يكبلني أحياناً فيصرع وقتي، تسارعت ضربات قلبي فتدفق الدم إلى أنحاء جسمي فشعرت بحرارة تغمرني، إنها لحظة المواجهة دلفت إلى داخل المكتب وأنا في شبه تردد ليرتفع الصوت بشكل جهوري مفعم بعبارات الترحيب التي أمطرني بها، جلست فخمدت شعلة اللقاء فرحت أرسم صورة المكان ثم سددت بصري نحوه وهو ممسك بسماعة الهاتف فلمحت على محياه عوامل الزمن التي تمكنت منه، تجاعيد وخط الشيب الذي كانت فيه محاولات نحو وأده، حررت نظري وعدت أجول به فيما حولي فكان كل شي يبعث على الفخامة والجمال، طاولة فسيحة من خشب السنديان الفاخر تناثرت عليها أوراق ومعاملات وفي جزء منها رصت أجهزة الهاتف المتعددة التي لم ينقطع من بعض منها الرنين، بادرت بالسؤال عن أحواله فأشار علي بالانتظار والتريث قليلاً لكي يجيب على الهاتف.
ماذا قلت.. ربحنا مليونين إنها بشرى سارة..
التفت إليّ وقال عفواً على المقاطعة.. إنها الأعمال التي لا تنتهي.
تفضل...
أردت أن أقول...
لحظة من فضلك لدي صفقة مهمة..
ماذا قلت: هل الرقم الذي ذكرت هو المتوقع من الصفقة؟ إذاً لا تتأخر عليك بإتمامها..
أحسست بالضيق والضجر وأنا أشاهد صاحبي منغمساً في أرقامه، فاتخذت قرار المغادرة فوقفت وهو ممسك بسماعة الهاتف يشير إليّ بيده لكي لا أرحل، لكني خرجت بعدما أدركت أنني لست من أصحاب الرقم الأخيرة.

عبدالله سليمان الطليان / الخرج


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved