وقف أمام المرآة يتأمل هيئته بعد أن لبس أنصع ثيابه، لم تعجبه غترته البيضاء، قرّر أن يستبدل بها حمراء أكثر ثباتاً.. أعاد ترتيب القصائد التي سيلقيها في الأمسية.. سأبدأ بهذه القصيدة.. لا.. لا.. الأفضل أن أقدّم مقطوعات قصيرة؛ لأنتهي قبل أن يملّ الحضور.. ليتني أصل مقر الأمسية وهيئتي كما هي الآن؟ أترى هل سيكون ضمن الحضور؟!
لقد وعدني بذلك.. سيحضر.
- يا وفاء.. يا وفاء
- نعم
- هاه.. شكلي هكذا مناسب؟
- لماذا لم تلبس الغترة البيضاء؟
- ترينها أفضل؟
- طبعاً، أفضل!
- هكذا أفضل؟ قالها وهو يثبت العقال على رأسها.
- أفضل بكثير.. توكلت على الله.
- توكلت على الله.
قال يحدث نفسه مزهواً وقد اقتعد منصة الإلقاء في هذا المكان: أضمن أن أراه في أي مكان جلس.. لقد وفى بوعده إنه يجلس في الصف الثالث، إنه يلتفت إلى الحضور، وكأنهم قد جاءوا من أجله هو، لا يا صاحبي، لقد جاءوا هذه المرة من أجلي أنا، من أجل صديقك الذي يتفوق عليك بقدراته ومواهبه، في حين تفوقت عليه بمالك، لا بد أنك تتمنى لو كنت مكاني، هذا المكان يا سيدي لا ينال بالمال، إنه ينال بالمواهب وبالمواهب فقط. لقد أنصفني الزمن هذه المرة, لقد وقف إلى جانبك كثيراً. لقد اضطرني للجري وراء لقمة العيش لتصبح أنت كما أنت بينما تسفح مواهبي على عتبات الوظيفة.. هذا الزمن هو الذي جاء بك اليوم إلى هنا لتنصت كما ينصت الآخرون، وتسمعني كما يسمعون، هذه الليلة ليلتي، أنت - هذه الليلة - على هامش الصفحة التي أتربع في منتصفها.
كان المقدم يعرف بالشاعر الموهوب.. ها قد جاء الوقت لتسمعني ترى هل سيعجبك شعري؟ لن أنشغل عنك بالإلقاء؛ سأقرأ قصيدتي في عينيك..
سأقرأها في ملامح وجهك المتورّد.. رفقاً بكفيك من التصفيق إنهما لا تحتملان هذه القسوة.
ترى هل تصفق إعجاباً بشعري، أم أنك تصفق لنفسك المغرورة أنت الأجدر بالتصفيق، إن كنت فهمت ما أقول.. ترى ماذا تريد أن تقول؟
عجيب أن تكون أول من يداخل في أمسيتي.. حتى أمسيتي تريد أن تخطف فيها الأضواء مني، ألا يكفيك ما عندك من أضواء؟
بخطى ثابتة تقدم نحو المنصة، ليقول: لم أستطع إزاء هذا الشعر الجميل أن أكتفي بالاستماع؛ فوقفت لأشيد بهذه الموهبة الشعرية الفذة، ولأطلب من شاعرنا المجيد أن يتيح لي فرصة نشر هذا الشعر الجميل بأن يأذن لي بطباعة ديوانه الأول على نفقتي.
- شكراً للأستاذ كريم عرضه ونبل قصده، وعندما يجتمع من شعري ما يصلح لأن يكون ديواناً فيسرّني أن يتولى طباعته.
قال لنفسه وهو يصافح صديقه: حتى شعري تريد أن يُطبع مذيلاً باسمك، لن أمنحك هذا الشرف.
|