في الاقتصاد
نقود اليوم والأمس
د. سامي الغمري

اخترعت النقود منذ أكثر من خمسة آلاف عام ومنذ ذلك التاريخ البعيد وحتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي ظلت تؤدي دورها التقليدي المعروف كوحدة وسيطة في التبادلات التجارية والمحاسبة ومعيار القيمة ومستودع الادخارات النقدية (الرصيد).
ولكن أين هذه النقود التقليدية في عالم اليوم؟ اليوم نرى أن النقود التقليدية لم تعد لها الأهمية النسبية التي حظيت بها في الماضي القريب. والنقود التي في جيوبنا ورقية كانت أو مسكوكة لم تعد تشكل سوى نسبة ضئيلة من الكم الهائل للمعروض النقدي. وظاهرة حمل النقود الورقية بمبالغ كبيرة أصبح الآن ظاهرة وموضة قديمة عفا عليها الزمن إن لم تكن من مقاييس الأمس، فمعظم المؤسسات والأفراد استبدلوا حمل نقود اليوم بنقود الكترونية وببطاقات بلاستيكية لها قدرات تكنولوجية متطورة دائمة الترحال لا تعرف الهدوء وتسير بسرعة الصوت، وتقوم بجميع وظائف عمليات النقود التقليدية. وانتشرت آلات السحب الالكتروني أو نقاط الصرف الآلي في كل الأسواق التجارية والشوارع ومحطات وقود السيارات. ويرجع هذا التحول العصري إلى جهات معنية مشكورة في المملكة سهلت على الأفراد والمؤسسات الاقتصادية الكثير من الوقت والجهد لإتمام أعمالهم وشؤونهم المالية. وكان لتطوير التقنية المالية السعودية تأثير واضح خلق لدور المال والأعمال عالماً حديثاً مختلفاً عما عرفناه بالأمس. تحولت فيه النقود إلى شيء الكتروني غير ملموس يوجد حيثما يكون المتاجرون ورجال الأعمال والمصارف وسماسرة الأسهم والسندات، والذين يتعاملون مع النهايات الطرفية في العالم الالكتروني من كل حدب وصوب. كما ترتب على ظهور هذه النقود الالكترونية نتائج جيدة مكنت الدور الاقتصادية من مضاعفة حجم التعاملات المالية من ملايين الريالات إلى المليارات شاملة تعاملات تحويل العملات من قطر إلى قطر، ومن شراء وبيع الأوراق المالية محلية وأجنبية مقربة المسافات والحضارات البشرية لمزيد من تبادل المنافع والمصالح، رغم كل التغيرات والتقلبات العالمية، وفي كل لحظة على مدار الساعة في الليل والنهار. ويتاح لملايين المتعاملين عبر الشبكات المعلوماتية الالكترونية اجراء وتنفيذ كل العمليات النقدية وإتمام الصفقات التجارية الناجحة حتى بعد ساعات العمل الرسمي للأسواق أو قبل افتتاحها باستخدام العمليات المبرمجة. لقد تغيرت أساليب وفرص الاستثمار في المملكة بدرجة كبيرة وتغيرت معها الأساليب القديمة الجامدة التي كانت غالبة على التعاملات التجارية والفردية والتي كانت فارضة عليها تغطية مساحات ومسافات قريبة ولشراء الأصول الثابتة للاحتفاظ بها. أما اليوم فإن الأسلوب العصري للنقود الالكترونية أصبح يتلاءم مع التغيرات العالمية السريعة ويتميز بالسرعة والكفاءة والقدرة على التنقل من استثمار إلى آخر ومن موقع جغرافي إلى آخر تتم فيه حصاد أرباح وازدهار متميز إن شاء الله.