* موسكو - سعيد طانيوس :
قررت إدارة العاصمة الروسية تشييد 97 ناطحة سحاب، وبدأت فعلياً بوضع مشروع ضخم تحت عنوان (الطوق الجديد لموسكو). واستندت إدارة المدينة في مشروعها المذكور إلى عدة أدلة مقنعة منها الطلب الكبير على المساكن والمكاتب، وارتفاع أسعار الأرض، وضرورة تحقيق الكثير من المصالح الأخرى.
وذكر مدير مؤسسة مدينة موسكو لتخطيط المباني والتشييد الحكومية ميخائيل بوسوخين أنه وقع الاختيار على الأمريكيين ليكونوا شركاء في هذا المشروع الضخم نظراً لخبرتهم الكبيرة في هذا المجال.
ويرى عمدة موسكو يوري لوجكوف أن عمليات بناء العمارات التي تتراوح أدوارها ما بين 47 و60 دوراً تتطلب الاستفادة من التقنيات الأمريكية الأكثر حداثة.
وستقدم وزارة الإسكان وتنمية المدن الأمريكية مساعدة استشارية في هذا المجال. وفي شهر آذار- مارس الماضي زار وفد من موسكو الولايات المتحدة للاطلاع على آراء المختصين الأمريكيين في هذا المجال، واكتساب الخبرة.
أما في الوقت الحاضر فقد وصلت إلى موسكو مجموعة من أشهر المهندسين المعماريين الأمريكيين بمن فيهم فرانك وليامس وياكوب غروسمان من نيويورك لتقديم خبراتهم ومعارفهم إلى زملائهم الروس.
ولا بد من القول إن تلك البنايات تحظى بطلب كبير حيث توجد في موسكو العديد من الشركات التي تسعى إلى بناء ناطحات سحاب، كما يوجد أولئك المواطنون الذين يفضلون العيش في تلك المباني غير مبالين بأسعارها الخيالية.
ويتنامى الطلب على ناطحات السحاب من يوم إلى يوم مما دفع المختصين إلى الاعتقاد بوجود انفجار في الطلب على تلك المباني في مدينة موسكو. ينظر أغلب سكان موسكو الأصليين إلى تلك البنايات نظرة سلبية.
وتشير استطلاعات الرأي العام إلى أن أهالي العاصمة يرون أن تلك البنايات قد تشوه بانوراما المدينة، أو أنها (عمارات دخيلة لا تتلاءم مع الروح الروسية)، أو لا تتناسق مع المباني الأخرى في موسكو. وقد تكون تلك الإدانة أقل حدة لو لم تختف بنايات موسكو الأصلية العريقة.
وذكرت نخبة من المثقفين الروس في رسالة مفتوحة إلى رئيس الدولة وعمدة موسكو في شهر نيسان- أبريل الماضي (أن المظهر الخارجي للمدينة تعرض خلال العقد السابق إلى ضرر كبير. لقد اختفت أهم البنايات التي شيدت في الفترة من القرن السابع عشر ولغاية القرن التاسع عشر بسبب ظهور العمارات العالية. كما توجد الكثير من المباني التاريخية العريقة التي تنتظر الزوال هي الأخرى بسبب النشاط الاستثماري الكبير في مجال تشييد العمارات الحديثة العالية).
واختتم المثقفون رسالتهم بالكلمات التالية: (إن الأرباح التجارية، وحق الملكية لا يبرران الهدم المخطط له لتاريخ وثقافة مدينة موسكو). من جهة أخرى يرى المدير العام لشركة البناء العملاقة (كروست) الكسي دوباشين أن المستثمرين ورجال الأعمال يستجيبون لمتطلبات السوق في مجال تشييد المباني العالية. وتدل تجارب الكثير من مدن العالم على أن عمليات بناء ناطحات السحاب ستستمر في موسكو. وأوضح نائب عمدة المدينة فلاديمير ريسين أن موسكو تعاني من نقص في مساحات الأرض غير المشغولة حيث يكون الاتجاه العام في هذا المجال نحو النمو العمودي والاستفادة من التجربة العالمية في تشييد المباني العالية.
وفي الوقت نفسه يرى الخبراء أن الشركات الروسية لم تتعرف بعد بشكل كافٍ على التكنولوجيا العالية لتشييد ناطحات السحاب.
وتأمل إدارة المدينة أن يساهم الخبراء الأمريكيون في رفع كفاءة المهندسين والمختصين الروس في هذا المجال.
بالإضافة إلى ذلك يجري حالياً على قاعدة شركة (موسبرويكت - 2) إنشاء معهد روسي أمريكي لتخطيط المباني السكنية العالية.
وعلى كل حال سيصار إلى تكييف التكنولوجيا الأمريكية لتتلاءم مع ظروف مدينة موسكو حيث ستستخدم مواد البناء الروسية المعتادة- أي الخرسانة وليس قوالب الفولاذ على الطريقة الأمريكية.
كما ستخضع جميع المباني العالية في مدينة موسكو بما فيها (البنايات الستالينية) إلى دراسة تحليلية لتقييم الأوضاع فيها من ناحية التكنولوجيا ومتطلبات الأمان. ويؤكد كبير المهندسين المعماريين لمدينة موسكو الكسندر كوزمين على أهمية وضع منظومة متكاملة للأمن تقوم بحماية المبنى من شتى المخاطر المحتملة كهجمات الإرهابيين، والحرائق وغيرها.
لقد أثبت درس الحادي عشر من أيلول- سبتمبر 2001 ضرورة تعزيز حماية المباني الشاهقة من الضربات. ويجب العمل على حماية المنشآت العالية في حالة تعرضها إلى ضربات قوية لكي لا يسقط البناء بالكامل.
يبدو ان مدينة موسكو ستواصل في ظل اقتصاد السوق نموها العمودي, لكنه من الواضح ان الوعود بعدم المساس بالأماكن التاريخية القديمة لم ولن تؤدي إلى تهدئة غضب الناس المسكونين بالنوستاجيا السوفياتية والذين يعارضون بناء ناطحات السحاب بمساعدات أمريكية!.
|