* القاهرة - مكتب الجزيرة - طه محمد:
دعا الناقد الأدبي الدكتور عبدالله بن أحمد بن حامد آل حمادي رئيس قسم اللغة العربية بكلية المعلمين بأبها إلى التكاتف الثقافي العربي لمواجهة التحديات التي تمر بها الأمة العربية حاليا وإبراز موروثنا الثقافي القائم على التفاهم والحوار البنّاء والرافض للعنف والإرهاب.
وأضاف الناقد السعودي في حوار ل (الجزيرة) ان المؤسسات الثقافية العربية عليها مسؤولية كبيرة في تصحيح الصورة العربية والإسلامية بالخارج والحفاظ على هويتنا العربية الأصيلة.
كما وصف الناقد عبدالله بن أحمد الحركة النقدية في المملكة بأنها جيدة ونشطة وانها تقوم بدور كبير من خلال الأندية الثقافية المنتشرة في المملكة... وفيما يلي نص الحوار:
أمريكا في ذهن الرحالة
لك إسهامات عن الرحالة العرب الذين زاروا أمريكا وكتبوا عنها فماذا عن صورة أمريكا لديهم وما مقومات بحثك وهل وجدت صعوبة في توثيقه؟
أولاً: لم تكن هناك إشكالية في البحث عن المصادر المعرفية للبحث الذي يدور عن مجموعة من الرحالة الذين ارتحلوا في العصر الحديث إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكتبوا كتابات متميزة رصدا للظواهر والسلوكيات والسياسات الأمريكية المنحازة ضد قضايا الأمة.
ومن خلال كتابات هؤلاء الرحالة لاحظت القسوة والحدة في الهجوم على الولايات المتحدة من خلال كتاباتهم عن هذه الرحلات وكان ذلك نتيجة لمجموعة من الممارسات الأمريكية الخارجية الظالمة نحو قضايا الأمة إضافة إلى رصدي لظواهر التجارب السلوكية التي أدهشت الرحالة العرب إلى أمريكا وهي تحمل قيم وثوابت تعرضت للاصطدام السلوكي في مستواها الروحي والقيمي ومحتواها الفكري مع غيرها الأمريكية؟
ومن هنا توصلت في دراستي (أمريكا في الذهنية العربية) إلى ان السياسة الامريكية الخارجية إلى جانب التجارب السابقة وجدت تناقضا مع السلوكيات الأمريكية المنحرفة الأخرى أي بين المنجز التقني المتميز الذي أثنى عليه الرحالة وبين السلوكيات المنحرفة في المجتمع الأمريكي كما لاحظتها العقلية العربية الرحالة.
وقد حرصت على دراسة ما كتبه الأدباء العرب عن أمريكا أمثال سيد قطب، عبدالله الغذامي وجمال الغيطاني ومحمود السعدني عبدالله بن خميس أحمد أبو الفتوح خليل الفزيع وغيرهم سواء عن طريق رحلاتهم الرسمية أو السياحية أو العلمية وذلك دون ان أقوم بنقد المجتمع الأمريكي واكتشفت ان هؤلاء الرحالة اختلفت غاياتهم من زيارة أمريكا ولكنهم كتبوا عن تجربتهم في الولايات المتحدة سلباً وايجاباً.
واللافت للنظر حقا ان الرحالة العرب اتفقوا على مهاجمة الولايات المتحدة في حياتها المنحرفة عن ثوابتنا وقيمنا أيضا ظهر ان هناك نوعا من القسوة على الولايات المتحدة لسياساتها تجاه العرب والمسلمين وان كان كل ذلك لم يمنعهم من تأكيد وجود رؤى ايجابية حول الولايات المتحدة مثل قيم النظافة والعدل والحرية وهو الذي أشاد به الرحالة مما يعكس رؤية موضوعية ومنصفة من جانب هؤلاء الرحالة للولايات المتحدة الأمريكية.
في إطار اهتماماتكم النقدية هل ترى أننا بحاجة إلى نظريات نقدية مستوردة من المؤسسات الفكرية الغربية مثل البنيوية والتفكيكية والحداثة وغيرها من النظريات التي لا تعكس رغبة في اثراء الحركة النقدية العربية؟
- ليس هناك جنسية للمعرفة أو للعلم ما دام هناك نظريات يمكن ان نفيد منها عمليا وعلمياً فلا بأس منها وعلى العكس فهذا أمر مطلوب لأن الاستفادة من الآخر واردة على ألا يطغى ذلك على رؤيتنا وتراثنا.
ونحن لا نريد ان نطبق النظريات الغربية بحذافيرها على أدبنا ولكننا نريد المزاوجة بين ما لدينا وهو تراث نقدي ضخم وكبير للغاية وبين الآخر الغربي ومن المهم ان لا يكون هؤلاء الناقلون للنظريات الغربية مجرد باحثين وناقدين من أجل النقل، فلا بد من هضم هذه النظريات لا ان تقدم في قالب يطبق آليا على النصوص العربية بحيث نشعر ان هناك إضافة حتى لا نكون أسرى لنظريات غربية قد تكون هي موجودة مثلا لدى عبدالقاهر الجرجاني أو غيره من النقاد الكبار ثم تقول ان بضاعتنا ردت إلينا، فنحن نريد ان نضيف على ما هو لدينا.
سمعة الحداثة
- وهل يمكن مع هذه الإضافة ان تتبدد المخاوف في العالم العربي من كل ما هو وافد من نظريات غربية؟
- إذا كان قصد السؤال الحداثة فإنها نظرية قد شابها كثير من سوء السمعة حتى أصبحنا ننظر إليها على أنه مصطلح سيئ السمعة فنحن مع التحديث والتطوير ولكننا عندما نؤكد أهمية الخطاب العربي فإننا نرتكز بذلك على الثوابت والقيم بحيث إذا أردنا التحديث لا نعمل على هدم هذه الثوابت وتجاوز القيم والقفز على أصولنا التي نفتخر ونعتز بها وخاصة في العلوم الانسانية. أما التحديث فهو أمر مطلوب ولا بد ان نحدد الفارق بين التحديث والحفاظ على الثوابت وهو ما يعمل عليه الغرب أيضاً في ظل حالات الرفض الأوروبي للأمركة وهو ما تكشفه الثقافة الفرنسية على سبيل المثال من رفض أمركة ثقافتها وانها تستند على ثقافتها لتكون حائط الصد ضد الوافدة عليها.
- ربما يفسر حديثك السابق عن الحداثة بأنه دليل على رفض الاشكالية بين الاصالة والمعاصرة والتي ظلت قائمة على طاولة النقاش والبحث والجدل في عالمنا العربي؟
أتصور أنه لا توجد إشكالية في الأساس بين الأصالة والمعاصرة لأن هناك مغالاة من جانب الطرفين ولا بد ان تفهم المؤسسات الغربية ان مدرستها ليست هي المنتجة فقط وان هناك مدارس أخرى أبدعت وأنتجت مثل هؤلاء النقاد العرب الذين يذخر بهم التراث العربي ومن المهم ان نحدث ملائمة واعدة في الخطاب النقدي الحالي حتى نستطيع النهوض بحياتنا النقدية الثقافية.
فاعلية النقد
- بالعودة إلى محور النقد، هل تعتقد ان لدينا في العالم العربي حركة نقدية فاعلة؟
أتصور أن الحركة النقدية موجودة وان كنا نريد لها حيوية متجددة بأن تعطى هذه الحركة ثمارها على مستوى الجامعات والأندية الأدبية والمنتديات الثقافية لكن هذه الحركة بحاجة إلى أدوار وان تخترق أفكارنا ولا تختلف قلوبنا وهذا هو الاشكال.
النقد بالسعودية
- إذا تحدثنا عن الحركة النقدية في السعودية ما تقييمكم لها؟
هي حركة نقدية جيدة ونشطة وان كنا نطمح إلى تفعيل دور الأندية الأدبية ولا أقول مجاملة أنها تقوم بدور كبير ولكنها تحتاج إلى تفعيل حيث نجد هناك تفاوتا بين الأندية في الأنشطة الثقافية وأناشد المسؤولين في وزارة الثقافة والاعلام الحرص على ان تظل جميع الأندية الأدبية متوهجة لتخرج بعضها من الركود والضعف.
وآمل من الوزارة الجديدة ان تقوم بهذا الدور لتنفيذ آلية معينة لتفعيل النشاط الثقافي ولا نفعل في ذلك دور المثقفين والمفكرين لكن دائماً الجهة الرسمية التي رعتها الدولة هم الملزمون بدعوة الأمسيات الشعرية وتنظيم الندوات واجراء المحاورات النقدية وهو ما يحدث بالفعل في بعض النوادي الأدبية وليس كلها.
- وأين تضع الشباب من الحركة النقدية في السعودية والتي وصفتها بأنها جيدة؟
هي حركة متميزة والمستقبل سيخرج لنا أجيالاً رائعة وفاعلة بشرط ان ندرك كيف نتحاور ويفهم بعضنا بعضا بعيدا عن التجريح أو الاتهام.
|