إن من أهم دوافع النقد الأدبي توجيه مسار الحركة الثقافية وتشخيص موضوعي لآفاق الواقع الأدبي، والنقد الأدبي ضرورة حضارية يستمد معانيه من النص، وعندما بدأت النهضة الأدبية الحديثة كان أساسها ومرتكزها إحياء التراث العربي القديم وعيون الأدب الخالدة، ولقد كانت تدور معارك أدبية باسم النقد الأدبي على أساس المنهج الأدبي القديم وأدى الاتصال بالأدب العربي وفنون الأدب العالمية على تطبيق المذاهب النقدية الحديثة فأصبح الأدب العربي يملك المقومات والأدوات ومناهج النقد الحديث وإن صور الأدب ومضامينه وفنونه لا بد أن تتغير بتغير مضامين الأدب ومفاهيم النقد وتقاسيم الفعالية الإبداعية وملامحها من حيث الجودة والرداءة.
ولقد شاع بين الأدباء والنقاد قديما وحديثاً قولهم ان الأدب يتألف من لفظ ومعنى... أو من شكل ومضمون.. والعبرة في صدق الدلالة على المضمون ودور الأدب في الحياة... إذ ان الصلة بين الأدب والحياة صلة متأصلة منذ القدم حيث إن للأدب وظيفة في الحياة فهو عامل من أهم عوامل النهضة والرقي والتطور والتميز والمعطيات المتنوعة... والأديب الحق هو الذي يتبنى المواقف الموضوعية الهادفة والبعد عن المهاترات والأهواء الشخصية.. ويرتبط بالقيم الكريمة والمثل السامية، فالأديب هو جوهر الحياة الفكرية يرتفع بالأمة إلى آفاق السمو الإنساني.. والنهضة الأدبية في كل أمة هي دليل رقيها وعنوان تطورها وتقدمها ولا يمكن لروافد الأدب أن تنمو وتزدهر إلا بوجود النقد الأدبي والناقد المتمكن من العطاء والابداع والمملكة الأدبية وللنقد وسائله الخاصة من ثقافة وتخصص وملكة وموهبة واستعداد، فازدهار الأدب وسموقه مرتبط بالنقد الأدبي الموضوعي المرتكز على الدراسات الواعية الجادة للأدب وفنونه وتياراته ومدارسه وماضيه وواقعه وتقويم الانتاج على أسس موضوعية وليست شخصية مما ينتج عنه العلاقة المؤثرة بين الناقد والكاتب... فالناقد الأدبي هو الذي يملك النظرة العميقة والرؤية الصافية السليمة والفكر النير... فيساعد القارئ على الفهم والمعرفة والوضوح وإبراز ما بين ثنايا النص من فكر وأدب وفن وجمال. والناقد رائد أدبي قد تجرد من شوائب الحقد ورواسب الأثرة والغرور والحسد والهوى فهو يحمل رسالة ذات أبعاد حضارية رائعة والارتقاء بالفكر وبلورة العطاء والصدق مع النفس وإبراز القيم الفكرية والجمالية والشعرية... مع قدرة ووعي بالممارسة النقدية مع إلمام واسع لفنون الأدب ومصادره وتياراته.
إن الوفاء لرسالة الأدب والنقد مسؤولية تاريخية لإثراء الفكر والحضارة الإنسانية وعلينا ان نقدم عطاء فكرياً ذا قيمة حضارية وثقافية وعلمية ويمثل إضافة جديدة للفكر والإنسان والحضارة البشرية ويجعل نقدنا وأدبنا ذا أصالة بين الآداب العالمية.
ومن هذا المنظور نطمح إلى ترسيخ الوعي المعرفي وعلاقة النقد الأدبي بالفن والعلوم الإنسانية وتأصيلها علميا ومنهجيا لتقديم صورة مشرقة صادقة عن الحركة الأدبية في بلادنا والتعريف بشخصيتنا الأدبية ومنجزاتنا الفكرية المعاصرة وجهودنا في المشاركة في بناء صرح المعرفة والثقافة الإنسانية وتحقيق ما نصبو إليه في أن تكون هذه البلاد رائدة الدراسات الأدبية والنقدية والثقافية كما كانت بالأمس منارة الأدب ومهد الفصاحة ومنطلق الشعر وقلعة الفكر والبلاغة واستطاعت خلال حقبة من الزمن ان ترسل أضواءها الروحية والثقافية إلى معظم أرجاء المعمورة.
|