اطلعت على ما كتبه الأخ الفاضل: عبدالرحمن بن سعد السماري في جريدة الجزيرة عدد 11636 (لماذا نحن دوما (طايرين)؟) هذه حال الكثيرين منا، صغارا كانوا أم كبارا، استعجال في كل شيء حتى في تناول الأدوية، أحد الطلاب اشتكى من وجع في بطنه واشتد عليه هذا الوجع، وسكنه خارج المدينة التي يدرس فيها، فذهب به أحد العاملين في المدرسة إلى الوحدة الصحية، فوصف له الطبيب العلاج وطلب منه تناوله وفق فترات معينة، فتناول الحبة الأولى فلما شعر ببعض التحسن تناول جميع حبات العلاج، ولولا لطف الله سبحانه وتعالى ثم يقظة أحد المعلمين الذي بدوره أخبر إدارة المدرسة، وعلى الفور اتصلت الإدارة بطبيب الوحدة الصحية للاستفسار وطلب المشورة، فاشار بضرورة تحويله للمستشفى، فأخبر ولي أمره بذلك وتم تنويمه في المستشفى لحين زوال الخطر، ولما قيل له: لماذا فعلت ذلك؟ قال: لكي أشفى من المرض بسرعة.
هكذا نحن دائما مستعجلون، وردات الفعل لدينا سريعة وقوية.
هذه الحال تتطلب من المفكرين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين والتربويين، دراستها، فردود الأفعال غير المنضبطة، سبب رئيسي في الكثير من المشاكل والخصومات وحتى في إراقة الدماء، ومن المعلوم أنه لا يمكن علاج مشكلة ما، إلا بعد الإحاطة بأسبابها، وأسباب الاستعجال اللافت للنظر كثيرة منها:
1- البيئة التربوية، فالصغير ينشأ في محيط يتميز من حوله بالعجلة من أمرهم، ويتلقى مجموعة من الأوامر في آن واحد، والويل كل الويل إذا قصر في تنفيذها.
2- المبالغة في تمجيد الذات، واعتبار ردود أفعال الآخرين - مهما تكن - القصد منها الإهانة وعدم التقدير.
3- تمجيد الذين يتميزون بالشدة وسرعة ردود الأفعال القوية، واعتبار ذلك ضربا من ضروب الشجعة.
4- التأثير البيئي، فالطبيعة الصحراوية تحتم على قاطنيها سرعة ردود الأفعال، فالمتغيرات كثيرة، من هبوب رياح عاتية أو هجوم مفاجئ... الخ.
5- إرخاء العنان للنفس للتعبير عن سائر الانفعالات، دون ضوابط أو قيود.
6- فضيلة كظم الغيظ، لا تخطر على بال الكثير من الناس.
7- الأنانية والمغالاة في حب الذات، فلا يهم من يتصف بذلك سوى ما يصب في مصلحته وما يخصه، دون اعتبار للآخرين ومصالحهم.
8- الضحالة العلمية والثقافية، فقليل الاطلاع على ما جاء في فضيلة التأني، وأحوال الشعوب الأخرى وسير النابهين.. يظل على حاله، أما كثير الاطلاع فسيتأثر بأحوالهم الإيجابية، وسيظهر ذلك جليا في تصرفاته وردود أفعاله.
9- عدم تقبل الرأي الآخر، فالمسألة عند البعض إما الموافقة التامة على ما يقول ويفعل، وإلا رماك بالمخالفة والمعاندة.
10- العجلة جبلة إنسانية لا حيلة لبني آدم في دفعها، قال تعالى:
{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ } (37) سورة الأنبياء. ولكن المذموم الذي يتجاوز حدود المعقول، ويصبح صفة لازمة للإنسان في كل مكان و أوان.
11- العلل النفسية بعضها لها دور كبير في تعكر المزاج، وردود الأفعال الغاضبة، فالذي يعاني من الاكتئاب أو الخجل وغيره، لا يستغرب منه ذلك، فهو لا يستطيع التأقلم مع بعض المواقف حتى وإن كانت بسيطة، فيتخذ موقفا صلبا حيالها، خشية أن يرمى بالضعف والخور.
12- الوازع الديني، وعلى قدر نصيب المرء منه، تكون قوته في التحكم في أعصابه، وسيطرته على نفسه، فقد ورد أن بلالا رضي الله عنه، جاء يريد أن يستأذن على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال أسلم خادمه: إنه نائم، فقال: يا أسلم كيف تجدون عمر؟ فقال: خير الناس، إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم. فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضبت قرأت عليه القرآن، حتى يذهب غضبه. وصاح عمر على رجل يوما وعلاه بالدرة فقال له: أذكرك بالله، فطرح الدرة وقال: ذكرتني عظيما.
محمد بن فيصل الفيصل- المجمعة
|