باتت مدينة النجف مفتوحة أمام الاحتمالات كافة. ومع الهدوء النسبي للمعارك بانتظار نتائج مهمة الوساطة الجديدة من المؤتمر الوطني العراقي فإن اشتباكات هنا وهناك تجعل الجميع يكتمون أنفاسهم؛ خوفاً من التردّي مجدداً في حالة القتال التي يمكن أن تحبط كلّ هذه الجهود التي تقف وراءها كلّ ألوان الطيف العراقي، على وجه التقريب، ممثلة في المؤتمر الوطني الذي يضع كامل ثقله وراء هذه المحاولة.
وصول وفد الوساطة الكبير - يتكوّن من 70 عضواً - إلى النجف سبقه قدر من التوتر، وسرت شائعات عن تهديدات وكمائن قد يتعرّض لها الوفد. وفي غضون ذلك احترقت دبابة أمريكية، إلى جانب حدوث بعض الاشتباكات، وكلها عناصر أوحت بأن شيئاً ما على وشك الحدوث، ومن شأنه إحباط المسعى الجديد.
وعلى الرغم من اجتماع وفد الوساطة أمس مع الصدر، فإنه ينبغي عدم توقع نتائج سريعة لمثل هذه المفاوضات؛ فالموضوعات المطروحة هي من الصعوبة إلى الدرجة التي تجعل من غير اليسير تغطيتها من خلال جلسة أو جلستين.
أما الشيء اليسير المعروف عن هذه المهمة فهو أن هناك استعداداً من قبل الصدر لمناقشة ما هو مطروح؛ فهناك ما هو متعلق بجيش المهدي؛ حيث المطلوب من الصدر حله، والخروج من مرقد الإمام عليّ - كرّم الله وجهه -، إلى جانب مشاركة الصدر في العملية السياسية.
ووسط هذه المساعي هناك مَن يحاول استئناف القتال وعلى أوسع نطاق، وقد رأينا بوادر ذلك في الاشتباكات التي تحدث، وفي التصريحات المتناثرة هنا وهناك. ومن المؤكد أن الذين رسموا خطط هذه المعارك يصرّون على تنفيذها، كما أن البعض يحمل نظرة استئصالية، وهذه النظرة لا يمكن أن تكون عراقية، وإن كانت عراقية فهي لا تستشرف مستقبلاً ديموقراطياً فيه مكان للآخر، وهم يتحدثون عن الديموقراطية دون أن يكون لها وجود في أجندتهم الحقيقية.
وتستطيع اختراقات مهمة تجاه التسوية أن تمهد الطريق إلى سلام شامل في النجف، إن لم نقل في أجزاء كبيرة من العراق، بدأت تشتعل حينما اضطربت أوضاع النجف. وعندما يتحقق هذا الاختراق تكون عدة أمور مهمة قد أنجزت، لعل أهمها قدرة العراقيين على ترتيب أمورهم بأنفسهم، وهو أمر ضروري لإكمال مسيرة السلام في كلّ أنحاء العراق، وإقناع القوات الأجنبية بأن أوان رحيلها قد حان.
لهذا يبقى الإصرار قوياً على إنجاز مهمة السلام؛ من أجل المزيد من السلام، ولإسكات الدفع باتجاه الاشتباكات، خصوصاً أن الذين يسعون إلى ذلك لا تهمّهم مصلحة العراق، وإن احترق كامل القطر.
|