من يعانق نسائم البحر ويرمي هموم العمل خلف ظهره.. ومَن يَقْضِ أيام الإجازة ويحرص على النوم المبكر لا بد أن يكون صباح استيقاظه مبهجاً.
هكذا كانت أيام الإجازة مرح في أمواج البحر، وجلسات مع الأبناء، وتمشية على الكورنيش الترابي مع مزاح الأطفال.. برنامج لم يتغير.. ولم يتعكر صفاء الذهن والبال حتى جاء يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الآخرة، ذهبت كالعادة للبحر، وبعد أن أنهكت جسدي في صراع مع أمواجه وعدْتُ إلى مقر إقامتي لأزيل ملاحة مياه البحر وأستحم لأتناول طعام الإفطار. كالعادة جلست أمام التلفاز وأمامي مائدة الإفطار.. وقبل أن أهم بقطع الخبز ظهر شريط أحمر على الشاشة.. مصحوب بكلمة عاجل.. ظهر الكلام على شاشة العربية، تدافقت الأحرف فوق الرقعة الحمراء.. وأنا أتابع، أكاد لا أعي ما يكتب.. وتوقف العقل والذهن.. ظلت يدي متجمدة.. وعيوني جاحظة.. لحظات لا أذكر أني مررتُ بها.. لم أعرف ماذا أفعل.. دون أن أشعر بدأت حبيبات الدمع تسفح من عيني دون أن أحس بها حتى أشعرتني ملوحة ما لامس شفتاي.
عاجل: انتقل إلى رحمة الله صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن سعود بن عبد العزيز أثر نوبة قلبية فجر اليوم.. انتهى ما كتب على الشريط الذي يتكرر طوال اليوم.. ظللت متسمِّراً أمام التلفاز وانضمت عائلتي حولي، شاركني الحزن والبكاء عبدالعزيز الكبير، حتى أصغر أبنائي عبدالرحمن.. الذي سمَّيته تكريماً للأمير الكبير.. تساءل عبد الرحمن: كيف مات أمير النصر..؟!!
بدأت أوضح وأشرح لعبد الرحمن الطفل.. غياب عبدالرحمن الأمير.. بدا الأمر وكأني أحاول أن أقنع نفسي بأن الموت حق على الجميع.. وأن لا رادَّ لإرادة الله.. والحبيب أبو خالد يودع الدنيا والجميع يبكيه.. وأبناء المملكة جميعاً ودَّعوه بالحب بمثل ما كان يشعر به الأمير فقيد أبناء الوطن.. عبد الرحمن بن سعود.. الإنسان الذي كان الباب الذي لم يغلق ألبتة أمام طالب حاجة، لا يفرق بين صغير وكبير.. عرف عنه حبه الكبير للنصر.. ولكن الأكيد للوطن.
أعرف قصصاً وأحداثاً بحكم قربي لا يعرفها الكثيرون.. أترك لأصحابها التحدث عنها.. العديد من خريجي الجامعات والكليات العسكرية ما كان لهم أن يحظوا بالقبول بتلك الجامعات لولا أن سخر الله لهم عبد الرحمن بن سعود.. كثير منهم من لاعبي الأندية الرياضية من غير النصر.. ومنهم الآن مَن يحمل رتبة عميد في الشرطة والجيش.. ومنهم أساتذة في جامعتي الملك سعود والملك عبد العزيز.
الكتابة عن الأمير المحبوب عبد الرحمن بن سعود ليست رثاءً.. ولا تذكرة.. فالرجل باقٍ في عقولنا وفي أفئدتنا.. حاضر بأفعاله.. وأعماله.. ليرحمه الله ويبره بأعماله الخيرة التي لا تعدُّ ولا تُحصى.
|