عند حدود الساعة النَّبض
ثمَّة إحساس يتنامى...
مرتكز دائرة يتحلًَّق من حولها سياجه...
هذا المكان
يظلِّه أبوها...
كلُّ بقعة فيه تصغُر حدَّ الذَّرة...
تكبرُ حتى سعة قلبه...
مركز دائرة شعور يتصاخب في سكينة...
اطمئنان تسند إليه رأس كلّ بؤرة متعبة في داخلها...
حتى موطئ قدمها يَبْعثُ فيه لمسامِّها شحنة راحة...
يا الله، كم هو هذا الكون الكبير الذي يحتويها يُحييها أبوها...
وتتنامى لحظاتها السَّالفة إيغالاً في الخطو أمام ذاكرتها
تعجُّ بلحظات العمر، منذ أول خطوة نأت بها خارج أسوار موطن هذه المظلَّة...
حين خُيِّلَ إليها أكثر ثمَّة مظلَّة أخرى ستنبتُ في الأرض على يديها...،
تكون هي صانعتها...، تغزل سياجها، وترفي رتقها كلَّما عصفت بها ريح الدّروب...
كيف لا يحدثُ أن تجدَ ريحَ أبيها في مواطئ بَصَرها وحواسها... وهي في ركن تقبع صاجّة بالإحساس تحت مظلَّته...
هي هناك لا تشمُّ رائحته، ولا صدى صوته، ولا دفء عينيه...
حتى اللقمة التي تعجنُ رغيفها... وتتلاحم ذرَّاتها بعرقها لا تجد فيها طعم عرق أبيها حين تتحرك بحريَّة مطلقة...
هنا؟!
رائحة الهواء هنا تملأ صدرها سكينة، رؤية الأشياء بألوانها وأشكالها ولمسات خاماتها تُصَدّر لإحساسها دفقاً من الاطمئنان، تفتح شلاَّل الأمان لها ترتوي منه تلعق الحب بصمت، تشرب الصدق بنهم، تعبق بها المظلة ريحاً من جنَّته،... أبوها...
جنَّتها ليست كجنَّته...
لا تستوي الأبوة والبنّوة...
لا يستوي اللَّفظ بالفعل...
لا تستوي دلالات الحروف دون الكلمات تكوِّنها عالماً ثرياً بالمعاني عند حدود الساعة النَّبض
حدَّثت: المقاعد، والأواني، والثَّريات، وأعمدة الرّخام، وقطع الخشب، وسجَّاد الرَّدهات، وقامات الستائر، وأذرع الأبواب، وأوجه الجدران... والهواء المنبعث ببرودة عن منافذ تطلُّ عليها تشي لها بطراوة الحياة، وعذوبة الكون... عن هذا النَّبض المتنامي فيها، عن دفء مظلَّة أبيها في كلِّ لمحةٍ، ورؤيةٍ، وإحساسٍ بكلّ الحياة في هذه المقاعد، والثريات، وأعمدة الرّخام، وفسحة الرَّدهات و... و... وكلّ ما تحتويه ذرات مظلَّته، وتفاصيلها، ومحتواها.. من صوت... وشكل...، وكيان... ورهجة نبض... فيما هو...، يلتحم بالهواء، والعجين، والمسام، ومضغة القلب، والعقل...
وكلّ حرف تشهقه في كلمة
أو حركة.. أو حسّ.
|