(دماء تراق، وظلم عظيم، وقلبٌ يئنُّ، وجسم سقيم) حالة دموية يعيشها عراقنا العزيز، النّار التي أجارته من الرُّمضاء لم تزل تحرق أخضره ويابسه، وتقتل شيخه وامرأته وطفله، وتهدم داره وناديه ومسجده، وتحرق ثوبه الممزَّق، وتعكر ماء فراته ودجلته، النَّار التي اشعلها الاحتلال بدعوى حرق ثياب صدَّام الذي ظلم واعتدى وطغى، لم تحرق الإ ثياب الضعفاء الآمنين من النساء والأطفال، ولم تأكل أفواه لهبها المتواصل إلا لحوم الأبرياء بعد أن أكلت أبواب ونوافذ وجدران وأسقف بيوتهم التي أصبحت ركاماً تحت قنابل وصواريخ الاحتلال الذي جاء للإنقاذ فأنقذ صدَّام وأهله وكبار رجاله وأحرق بالنّار عراق التاريخ.
لم تر العين ولم تسمع الأذن إنقاذاً لهذا الإنقاذ العجيب الذي يجري في العراق الحزين، الظالم الذي ادعى الاحتلال أنه يريد إزالته، وإراحة أهل العراق منه، وإيقاف ظلمه واستبداده عن الشعب العراقي المسكين، وإزالة الخطر الداهم من أسلحة دماره الشامل؛ هذا الظالم ينعم الآن بالراحة بعيداً عن الهدم والقصف والتدمير والقتل الجماعي الخطير، فالعراق يحترق، وهو في موقعه الذي لا يعرف العالم صفته وحقيقته؛ أهو في زنزانةٍ، أم غرفة مهيئة بما يليق بمثله، أم قصر صغير يناسب مكانته السابقة عند أهل الاحتلال ومقامه.
يا لها من خدعة كبيرة ويا لها من حالة مبكية؛ ويا له من ظلم عظيم.
لقد أصبح معنى الإنقاذ في العراق حرقاً وإغراقاً، وظلماً وعدواناً، وقتلاً وتشريداً، حتى أصبحت حالة العراق الجريح هي الحالة البارزة التي أكدت للعالم أجمع انهيار (مدنيَّة الغرب)، وأعلنت بالصوت والصورة والوثيقة موت هيئة الأمم، ومجلس الخوف الذي أطلق عليه مجلس الأمن، وموت كل القوانين والأنظمة المتعلقة بالعدل والإنصاف ورعاية حقوق الإنسان، وموت الصدق في وسائل الإعلام العالمية التي تخلط الحق بالباطل، والخبيث بالطيب، وتصنع من المواد الإعلامية سلاح دمار شامل كامل، يضلل العقول ويحطم الآمال، ويحرِّف الوثائق، ويقلب الحقائق، ويخدِّر العقول بكل عمل إعلاميّ غير لائق.
نعم لقد أكدت حالة العراق الجريح أنَّ البشر الذين خرجوا عن منهج الله وكفروا به وحاربوا شرائعه، ونقضوا القيم والأخلاق التي أمر بها، قد أصبحوا عبئاً على الكوكب الأرضي الذي يعيشون فيه، وصاروا أداة في يد الشيطان تهدم وتقتل، وتظلم من أجل المصلحة الخاصة المرتبطة بالحياة الدنيا الفانية، حياة الغفلة والغرور والانحراف عن الطريق المستقيم.
لقد أكدت حالة العراق الجريح، أنَّ انحراف البشرية عن منهج الله قد أصبح حالة خطيرة تهدِّد الإنسانية كلها، وتنذر بكارثة كبرى لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى بحجمها ومداها.
العراق الآن ساحة دامية معركة لا تتوقف، نار لا تنطفئ، لهب لا يخبو، فتنة هوجاء، تهدر فيها الدماء وتنتهك فيها الأعراض، خوف وقلق وأرق، وجوع وعطش في أرض النفط، وبلد النهرين الكبيرين، لماذا كلُّ هذا؟
متى ترفع تلك الأيدي الظالمة عن العراق الجريح، ومتى يندمل هذا الجرح الدامي في بلاد الرافدين؟ إنَّ كل ذرة رمل، وكل عسيب نخل، وكل قطرة ماءٍ عكَّرتها الحرب لتتساءل بحرقة وأسى، كما نتساءل نحن: من يعيد العراق إلى هدوئه، ومن يعيد إلى العراق حقه الضائع السليب؟
إشارة:
ربَّ سؤال كان أقسى على
قلب الفتى من جمرة حارقة
|
|